سيطول عمر الأزمات في المنطقة أو يقصر بتأثير عاملين. الأول، هو مدى وضوح الرؤية أو تشوشها لدى القيادة في العديد من عواصم القرار المنخرطة أو المتورطة في هذه الأزمات. وكلما كانت مرتبة العاصمة المعنية أعلى في سلّم النفوذ الدولي، كان تأثيرها أكبر في الحالتين. العامل الثاني هو مدى غرق كل قيادة بطوفان من القضايا والمشاكل والمشاغل الملحّة، الطارئة أو المزمنة أو كلاهما معا، مما يصرف كل اهتمامها الى التفاصيل اليومية، ويصرفها عن ايجاد الوقت اللازم للتأمل، والتبصّر بالمستقبل، والنظر بوضوح الى المتغيرات والمستجدات. يضاف الى ذلك طبيعة الشخصية التي تتولى القيادة، وهل هي من النوع المتزن والمفكر برؤية الاستراتيجية، أم من نمط القيادة محدودة الأفق أو المصابة بآفة عظمة القوة والسلطة والنفوذ!
لو كان في البيت الأبيض اليوم رئيس من نسيج الرؤساء والقادة المؤسسين في التاريخ الأميركي، لكانت أوضاع العالم أفضل بكثير. غير أن خط الرئاسة الأميركية اتبع خطا انحداريا بشكل مستمر، الى حين وصول رئيس أميركي من طراز دونالد ترامب، الذي تتراوح أوصافه في أميركا نفسها، بين المهرج والأحمق! ويبدو ان ترامب منهمك في البيت الأبيض بتعيين المساعدين وطردهم من مناصبهم التي اختارهم لها، ولم يعد لديه الوقت للنظر بمشاكل العالم وأزماته! واذا كانت قصة تعيينه لمستشار مقرّب منه هو ستيف بانون لمنصب كبير المستشارين الاستراتيجيين، تمّ طرده، قصة تستحق ان تروى، ولكن هناك ما هو أكثر اثارة! ومنها القصة التي نشرتها الأندبندت البريطانية عن أحد أقرب المقربين الى ترامب وهو الكاتب اليهودي الأميركي طوني شوارتز الذي أعدّ كتابا بتوقيع ترامب فنّ عقد الصفقة، وهو اليوم من ألدّ أخصامه!
مرحلة تشوش الرؤية هي الطاغية أيضا على قيادات العديد من عواصم هذه المنطقة التي تغلي بالأعاصير والحرائق والدمار والموت الجماعي! وكان الارهاب وبالأخص التكفيري منه، هو العامل المؤثر الأول في هذا الخراب المعمم على أرجاء المنطقة. وعلى الرغم من أن هذا الارهاب يحتضر اليوم قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، فان تشوش الرؤية لدى القيادات الاقليمية وانغماسها في مشاكلها الطارئة، يطرح اشكالية أكثر تعقيدا في مرحلة ما بعد القضاء على الارهاب! وآخر مثال على ذلك فشل المعارضة السورية بتشكيل وفد موحّد الى محادثات جنيف بعد اجتماعها الأخير في الرياض. وسبب الفشل يتضح من خلال التسميات التي تحملها وفود هذه المعارضة. وتسميتها ب منصة موسكو ومنصة القاهرة ومنصة الرياض، يعني ان قرارها الحرّ ليس بيدها، وانما بيد العاصمة التي تحمل اسمها!