بعد صفقة العصر وصفعة العصر، ظهرت المعالم الجديدة لما يمكن تسميته ب مقاولة العصر! قطب العقارات الشهير الذي عُرف بنزقه ونرجسيته وصل الى البيت الأبيض رئيسا للولايات المتحدة الأميركية حاملا اسم دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعين. ومنذ وصوله استعمل اللغة الوحيدة التي يجيدها المستمدة من عالم التجارة في الاقتصاد الرأسمالي المتوحش، وتخلّى عن كل ذلك التراث العظيم المتعلق بالاستراتيجية والتخطيط السياسي بوجهيه الناعم والخشن، واعتمد لغته الخاصة… فكانت صفقة العصر التي عقدها مع اسرائيل والصهيونية لتسليم فلسطين ومفاتيحها أرضا وشعبا لأعتى حكومة عنصرية في التاريخ برئاسة بنيامين نتنياهو. وكان عربون الصفقة الاعتراف بالقدس عاصمة حصرية لاسرائيل! الجانب الفلسطيني ردّ على ترامب بلغته واعتبرها صفعة العصر!
مقاولة العصر أهداها ترامب لنفسه! وبقدر ما أوحاه له عقله المشوش والمريض، فقد وجد أن يوظف كل طاقات أميركا في خدمة مقاولة يتولى بنفسه تنفيذها، وفحواها قيام أميركا بالتزام كل حروب اسرائيل وخوضها بالقوات الأميركية والعملاء، بالنيابة عن الدولة الصهيونية! وبدأ بتنفيذ البند الأول في هذه الأجندة وهو المتعلق بفلسطين، وجوبه بردّ فعل عالمي ضدّه. وانتقل الى البند الثاني والعمل على إلغاء الاتفاق النووي الدولي المعقود، فاستنفر اصرار الشركاء في هذا الاتفاق على التمسّك به، مما أجبر ترامب على التراجع، وكسب فسحة شهور أخرى من الوقت! أما البند الثالث في الأجندة فتم الاعلان الأميركي عنه وهو تقسيم سوريا ولكن تحت عنوان مموّه هو حماية الأكراد، واغتصاب أميركا بالتعاون معهم لمساحة تقدّر بربع مساحة سوريا!
مرة أخرى يشعل ترامب النار والغضب ليس داخل الولايات المتحدة الأميركية وحدها، وانما أيضا في أوساط الأصدقاء والحلفاء في العالم! وها هي تركيا تلوّح بالانسحاب من الأطلسي، وايران تهدّد بتحويل المنطقة الكردية المعنية الى مقبرة للجنود الأميركيين، وروسيا تستبدل الابتسامة الدبلوماسية بتكشيرة هجومية. وبهذا يقدّم ترامب هدية تاريخية الى أعداء السياسة الأميركية ويجرّهم الى اقامة حلف قسري ضدّ أميركا!