Site icon IMLebanon

بعد انحسار العاصفة العونية: لا يا جنرال… فعلاً أخطأت العنوان!

… والآن، بعد انحسار العاصفة العونيّة، من حق أي مواطن أن يسأل رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون عن الحصيلة التي تم انتزاعها للمسيحيين وعن الخطوة التالية. بدا واضحاً أن كل ما حصل نهار أمس كان مبرمجاً: يفتعل الوزير جبران باسيل مشكلة في مستهل جلسة مجلس الوزراء مستغلاً وجود كاميرات التلفزة صوتاً وصورة، ليبرر توجيه الفرق المحضّرة سلفاً من الصبايا والشباب صوب الهدف “العدو الغاشم”، صوب السرايا لاستعادة “حقوق المسيحيين” من مغتصبيها وعلى رأسهم تمّام سلام الذي لم يوفّق على ما يبدو في إقناع عون بأنه “غلطان بالعنوان”… وهو حقاً كذلك!

وآخر عنوان فرعي لتلك الحقوق هو وقف الاعتداء على مقام رئاسة الجمهورية، وقد أعلن عون اسم المعتدي، وهو أيضاً تمّام سلام!

ولأن “الجنرال” مرّ بتجربة مماثلة، فمن المفيد العودة إلى تلك الحقبة والمقارنة بين “عهدين” في كيفية المحافظة على مقام الرئاسة، بكل هدوء وموضوعية، في نقاش يفترض أن يتقبله “رجل الدولة”، أياً يكن، برحابة صدر وعقل ديموقراطي.

لو قرر تمّام سلام الاقتداء بميشال عون لكان توجه فور تشكيل الحكومة إلى القصر الجمهوري واتخذ منه مقراً لإقامته واستقبالاته، العامة منها والخاصة، الرسمية والحزبية، ولنظم تظاهرات “الزحف” الجماهيري اليومية إلى بعبدا تأييداً له وتصفيقاً ودعاء بطول العمر… ولاتخذ قراراً في ليلة ليلاء بإعلان “حرب تحرير لبنان من جيش الاحتلال السوري” وزج بالجيش في أتونها وأدار مدافعه في اتجاه “المناطق المحتلة” أي “الغربية” و”الضاحية”، ولكانت باكورة التحرير “فرقة” من التلامذة سقطوا في باص مدرسي على تقاطع الاونيسكو… أوليس هذا ما حصل فور ترؤسه حكومة انتقالية نتيجة عدم انتخاب رئيس للجمهورية قبل ربع قرن؟

ولو كان لتمّام سلام أن يقتدي بميشال عون لاكتفى بحكومة “بتراء” استقال نصف أعضائها قبل أن تولد، ضارباً الميثاقية بعرض الحائط، ولم تنل الثقة في مجلس النواب، إذاً هي غير شرعية وغير ميثاقية، وكان رئيسها حاكماً بأمره، الآمر الناهي، وليس لوزيريه سوى “البصم” و”صُدِّق بالإجماع”، أهذا ما يفعله تمّام سلام اليوم؟

ولو كان لتمّام سلام أن يقتدي بميشال عون لاستمر في مصادرة القصر الجمهوري، رافضاً الاعتراف بانتخاب رئيسين للجمهورية، اغتيل الأول وهو الرئيس رينه معوض بعد أقلّ من شهر على إقامته في مبنى موقت، ومُنع الثاني من دخول القصر لأشهر قبل طرد “الجنرال” بالقوة في تاريخ عرف بـ”عملية 13 تشرين” وقد نفذت بدعم من “جيش الاحتلال” نفسه والنظام الذي بات الحليف الأعزّ للجنرال!

قطعاً ليس الهدف من التذكير بتلك الوقائع نكء الجروح ونبش قبور الماضي، لكنها فرضت نفسها بعد قول عون في سياق تصريحاته المتتالية هذه الأيام، وعشية جلسة مجلس الوزراء الأخيرة التي خاض ضدها “أم المعارك”: “إن رئيس الوزراء يتصرّف كرئيس للوزراء ورئيس للجمهورية في الوقت نفسه، وهذا أمر مرفوض”، فجاء من يدافع عن رئيس الحكومة ويذكّره بأن تمّام سلام كان يمكن أن “يلبس” تلك التهمة لو تصرف مثله واقتدى به، وان سلام هو من يحافظ على مقام الرئاسة لا من يتغيّب عن جلسات انتخاب الرئيس ويعطل النصاب القانوني المطلوب لانعقادها، وان اول انتهاك لحرمة الرئاسة كان من خلال مصادرة القصر الجمهوري والتمترس فيه وتحويله مقراً لحلقات الدبكة المنبثقة من “شعب لبنان العظيم”… وانه كان في استطاعته، احتراماً لمقام الرئاسة، الاكتفاء بعقد جلسات مجلس الوزراء فقط في القصر الجمهوري، وإذا كان لا بد من بعبدا، فلمَ لم تكن الإقامة في سراياها؟

تلك وقائع كان يمكن تجاوزها لولا الحملة الظالمة التي يشنها عون على الرئيس تمّام سلام، والتي اعطت المدافعين عنه في الحكومة حق الردّ…

وثمة سؤال محق ومشروع يمكن أن يطرحه أي مواطن يدفع ثمن توالد الأزمات والخضات: هل ينشد عون التصعيد في الشارع وصولاً إلى إسقاط الحكومة حيث يكتمل عقد تعطيل المؤسسات؟ لمصلحة مَنْ ولحساب مَنْ؟ وما هي الخطوة التالية، هل هي “حقوق المسيحيين”؟

أول غيث “إعلان النيات” قطفه الجنرال بتحييد “الحكيم” سمير جعجع، شريكه في الإعلان، وتعطيل خطره في ظروف مماثلة تفرّد خلالها عون بالقرار في “المناطق الحرة” نواة الفيديرالية الجديدة التي يرفع لواءها هذه الأيام، وقد سبق سامي الجميّل، أبرز دعاتها، بأشواط!

وأما الخطاب المسيحي، لكي لا نقول الطائفي، فهو يحتاج إلى خصم مسلم للهجوم عليه وإعلان النصر العظيم. رقصة “التانغو” تحتاج إلى اثنين، فكان لا بد من التصويب على تمّام سلام. هل وجد الجنرال شريكه في الرقص؟

حتى الآن، هو يتحرّش بجهة واحدة من طرف واحد، وفي مكان ما بدأت شظايا حربه الجديدة تصيب حلفاءه، وهم، للتذكير، من غير المسلمين…

لا يا جنرال!