IMLebanon

بعد خراب العراق وسوريا وقبل خراب لبنان

 

ربما بفعل صحوة ضمير تأخرت ربع قرن وربما لإحساس بالرحيل من الدنيا، يحاول الرئيس الأميركي الأسبق (الرئيس الواحد والأربعون) جورج بوش الأب التكفير عن ذنوب إقترفها إبنه (الرئيس الثالث والأربعون) جورج بوش الإبن في حق الأمتيْن العربية والإسلامية مجتمعتيْن عندما شنَّ حرباً لا أساس للمعلومات في شأنها على العراق، وأكمل بهذه الحرب ما كان بدأه من قبل والده مع إختلاف الظروف.

التكفير البوشي عن الذنوب يتمثل في فقرات أوردها بوش الأب في مذكراته التي صدرت حديثاً ويروي فيها سيرة حياته وما فعله فضلاً عن آراء في حق الذين عملوا معه أو تعامل معهم من حكام العالم، وهي صيغة مألوفة في عالم أهل السياسة وكبار المسؤولين الذين يكتبون سيرة حياتهم أو مذكراتهم أو يكتبها نيابة عنهم آخرون بتكليف منهم.

في هذه المذكرات – السيرة التي صاغها أستاذ جامعي كُلِّف لهذا الغرض، يركِّز بوش الأب على حرب إبنه على العراق التي كانت عملية غزو بربرية بكل المقاييس فيقول في هذا الشأن ما يمكن إيجازه على النحو الآتي:

– هاجم أولاً الوسواسيْن الخنّاسيْن ديك تشيني (نائب الرئيس بوش الإبن) ودونالد رامسفيلد (وزير الدفاع في زمن الإبن).

– قال عن تشيني «إنه إنحدر إلى مستوى المتشدٍّدين الذين يريدون محاربة كل شيء ويريدون إستخدام القوة لتنفيذ سياستنا في الشرق الأوسط، ولقد تأثر بآراء زوجته وإبنته المحافظتيْن وكانت له امبراطورية خاصة به وسار على دقات طبولها. لقد صار تشيني متشدداً جداً ومختلفاً جداً عن ديك تشيني الذي عرفْته وعملتُ معه…».

– قال عن رامسفيلد: «إنه متغطرس وأعتقد أنه خدم الرئيس (أي بوش الإبن) خدمة سيئة. لم أكن أبداً قوي العلاقة معه. ينقصه التواضع ولا يضع إعتباراً لرأي الشخص الآخر ويميل نحو تأديب الناس ووضْع أسماء وأرقام للإنتقام من أعدائه، وأعتقد أنه دفع ثمناً لذلك…».

أما عن إبنه الرئيس فقال بوش الأب «إنه يتحمل مسؤولية الذين إختارهم. الخطأ الكبير الذي حدث هو السماح لـ تشيني بأن يؤسس ما يشبه وزارة الخارجية في مكتبه في البيت الأبيض. أشعر بالقلق للخطابات والكلمات الساخنة التي كان يستعملها في ذلك الوقت. من السهل على الكلمات الساخنة أن تتصدر صفحات الصحف ونشرات الأخبار لكنها بالضرورة لا تحل المشكلة الدبلوماسية…».

من الطبيعي أن يثير بوش الأب بعض الجدل في شأن ما يقوله في سيرته الذاتية التي لم يسلط الضوء فيها على ما فعله إبنه بالعراق، لكن تبقى أهميتها أنه يقول ما قاله وهو حي يُرزق وفي الواحدة والتسعين من العمر.

ومع أنه لم يتوسع في سرْد ما يبرئ الذمّة بالكامل إلاَّ أنه أفسح في المجال أمام فتْح ملفات حرب بوش الإبن على العراق والتي عملياً ما زالت تداعياتها مستمرة وآخر فصولها أن الرمز المحلي لهذه الحرب أحمد الجلبي الذي زوَّد الثلاثي الأميركي الشرير (بوش الإبن. ديك تشيني. دونالد رامسفيلد) بكل الوثائق المزوَّرة لكي تتم الحرب وقد تمت، تشاء الأقدار أن يُتوفى فجأة قبل يوميْن من صدور مذكرات بوش الأب، وتتكاثر التكهنات في شأن وفاته هل هي بفعل أزمة قلبية أو أن الرجل مات مسموماً، وأنه كان قبل رحيله أو ترحيله أوْدع ملفاً بالغ الخطورة لدى المرجعية الشيعية الدينية في العراق من شأن الكشف عن مضامين وثائق الملف أن يجعلنا نكتشف حقائق توضح لماذا كان إلغاء العراق تدميراً وإفساداً وبعثرة لأحد أهم جيوش الأمة، ولماذا تدمير سوريا المتواصلة الجولات والصولات من أجل إستكمال التدمير وتحويل جيشها إلى جيشيْن يُحارب بعضهما البعض، ولماذا أن لبنان ضمن خارطة التدمير، ولماذا هذا العبث بالبحرين بغرض تدميرها بعد إفشال لم تكتمل فصوله لضربْ السعودية من الخاصرة اليمنية.

قبْل بوش الأب سجًّل رئيس وزارء بريطانيا الأسبق طوني بلير شريك بوش الإبن في الحرب على العراق إعتذاراً خجولاً عن تلك المشاركة مُقراً بعدم صحة المعلومات التي إستند إليها غزاة العراق – لكنه إعتذار متأخر وينطبق عليه وعلى كثيرين يحاولون تبرئة الذمة أنهم يفعلون ذلك بعد فوات الأوان تجسيداً للقول الشائع: بعد خراب البصرة.

وإلى ذلك إن إنتقاد بوش الأب لحرب إبنه على العراق لا يلغي ضرورة تبرئة ذمته عن حرب هو الذي قادها ضد العراق. وهي حرب حدثت من أجل المساعدة في تحرير الكويت من الغزوة الصدَّامية ظهر يوم الخميس 2 آب 1990، لكنها عملياً كانت بمثابة الشتلة الشريرة التي إنتهت شجرة خبيثة.

ونقول ذلك على أساس أنه لولا حرب بوش الأب ومحرقة ملجأ العامرية وغيرها من المحارق في بغداد ومدن عراقية كثيرة، لربما كان من غير السهل حدوث حرب بوش الإبن وإقتراف الكثير من المحارق. وحده الله سبحانه وتعالى هو الذي يُمهِل ولا يُهمِل.