«كِنْتو من الأوّل»؛ نستطيع أن نقول أنّ هذا كانت ردّ فعل كثيرين، أو أنّ هذا كان تعليقهم بعد تواتر خبر اللقاء الذي ضمّ وزيري الخارجيّتيْن السعودي والإيراني، الأمير سعود الفيصل وجواد ظريف، فخبر اللقاء الذي كان له وقع الصّدمة مساء الأحد الماضي تلاه في اليوم التالي إعلان سيطرة الحوثيّين التامة على العاصمة اليمنيّة صنعاء، وهذا الإعلان يعني أنّ الخطر الإيراني بات على حدود المملكة العربيّة السعوديّة، وإن كانت مواجهة إرهاب «داعش» عنوان اللقاء بدعوى حشد الجهود لمواجهة «خطر الإرهاب التكفيري»، فـ»داعش» مقيمة هنا في سوريا والعراق ولبنان إلى حدّ ما، ولكن إيران أضحت على تماسٍ مباشر مع الحدود السعوديّة، بل أكثر من ذلك إيران ربحت في اليمن، فهل تغيّرت استراتيجيّة المملكة؟!
هذه أسئلة تتبادر إلى ذهن أي مواطن عربي كان عالقاً في المشهد «الداعشي» الشرق أوسطي و»الوحش» الذي صنعه النظام السوري وحلفاء ممانعته لترهيب الدول لتعلن تمسكّها ببقاء نظام الأسد المنهار، و»حلف الدول الأربعين»، والتخويف من الحرب الطويلة على «داعش»، فإذا به يُفاجأ من «الثغرة» التي اتسعت فجأة لتصبح انتصاراً وحدوداً، عجّلت باللقاء السعودي ـ الإيراني، وحتى نكون صادقين، قفزت مع هذا اللقاء أشباح قمّة الكويت عام 2009 ورغبة التصالح الصادقة التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي أعلن حينها «تجاوز مرحلة الخلاف وفتح باب الأخوة العربية والوحدة لكل العرب دون استثناء أو تحفظ صفحة جديدة في العلاقات العربية ـ العربية وبدء مرحلة جديدة من الوئام»، وما تلا هذا الإعلان التصالحي من مراوغات ومكر وتسويف وخيانة من المحور السوري ـ الإيراني، والهزيمة التي منيت بها الرغبة السعودية فانكفأ الدور السعودي في لبنان إلى أقصى الحدود وتقدّم الدور الإيراني، فدفع لبنان واللبنانيون ثمناً باهظاً من تعطيل البلاد وشلّها بانقلاب القمصان السود وانتهى الأمر بنا بوضع حزب الله يده على لبنان حتى اللحظة.
لم يصدر من المملكة أي تعليق على اللقاء، ولكنّه لقاء انعقد وسرّبت إيران أخباره بتهليلٍ وترحيب وكأنّه انتصارٌ لها في توقيت كانت فيه الأنباء تتناقل خبر رفض أميركا إدخال إيران إلى التحالف الدولي ضدّ «داعش» مقابل ليونة الموقف الإيراني في ملفّ التفاوض النووي… والتهليل الإيراني لخبر اجتماع الوزيرين أعلنته إيران وفي صياغته «الباطنيّة» إعلان لـ»انتصار» إيراني لا يقلّ بريقاً وصلفاً عن الانتصار الحوثي في اليمن، ومجرّد اللقاء خلّف مشاعر استياءٍ حادّة، فإذا كان التلاقي ممكناً بين الفريقين فلماذا لم يفعلا ذلك من قبل، قبل أن تغرق المنطقة بالدّماء وبـ»داعش»؟ ولماذا استمرا في «كباش» حادّ «معس» لبنان ودفع ثمنه وحده؟ ثمّ لماذا هذا اللقاء في لحظة يُدرك فيها الجميع أن حُلم التمدّد الإيراني إلى البحر الأبيض المتوسط إنهار في سوريا، وانهار القوس الشيعي في العراق، فبدا المشهد وكأن المنطقة كلّها هنا لا تساوي سقوط صنعاء بيد الحوثيين فاقتضى الموقف الحوار؟!
وكالة الأنباء الإيرانية استعجلت ونقلت عن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود قوله: «نعتقد بأننا يمكننا من خلال اغتنام هذه الفرصة وتجنب الأخطاء السابقة تحقيق النجاح في مواجهة هذه الأزمة الحساسة جدًّا»، ولم تنفِ أي جهة سعودية هذا الكلام، تساءل كثيرون عن «الأخطاء السابقة» من ارتكبها، وعلى حساب من؟ ومن دفع ثمنها؟!
ولكن؛ حتى يصدر عن المملكة العربيّة السعودية إعلان عن اللقاء ومضمونه، خبرتنا مع صناعة الفبركة الإيرانيّة للأخبار التي تتفوق بمراحل على إعلام النظام الأسدي، تجعل من المبكّر جداً الحديث عن تقارب «سعودي ـ إيراني»، خصوصاً وأنّ إيران تدّعي لنفسها حجماً أكبر من حجمها بكثير، وتكاد تجنّ لضمّها إلى التحالف الدولي للحرب على «داعش»، وحتى يتبيّـن الخيط الأبيض السعودي من الخيط الأسود الإيراني، لذا، لو كان هناك من تقاربٍ سيحدث، نتمنّى أن تكون المملكة حذرة جداً من سياسة التقيّة الإيرانيّة، فمحور الممانعة الخبيث والشرير لا تنفع معه النوايا المخلصة والصادقة، لأنّ لبنان لا يتحمّل تجربة ثانية كتلك الذي اضطر فيها الرئيس سعد الحريري للذهاب إلى دمشق والنوم في حضن قاتل أبيه، وتبرئته أيضاً، ثم دفع لبنان ثمن كلّ هذه التنازلات التي قُدّمت لمصلحة إنهاء الخلافات العربية!!