إذا كان رئيس الجمهورية قد بات من صنع الخارج لأن بعض من في الداخل مرتبط به، فهل يأمل اللبنانيون خيراً من زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف للبنان بحيث يدخل في لقاءاته المسؤولين في أسماء المرشحين للرئاسة توصلاً إلى اتفاق على واحد منهم، أو يترك للأكثرية النيابية انتخاب من تشاء منهم، وما لإيران سوى العمل على كسب الأصوات للمرشح المرغوب فيه، وهو ما كان يفعله الخارج في الانتخابات الرئاسية، إذ انه كان يسمي المرشح الذي يريد أو يوحي باسمه ويتدخل لدى النواب لتأمين أكثرية تنتخبه. فإذا ظلت إيران تكرر القول المضحك إن الانتخابات هي شأن اللبنانيين وحدهم وعليهم أن يتفقوا على انتخاب رئيس مع علمها أنهم لن يتفقوا، خصوصاً إذا ظلت هي تعمل على تعطيل نصاب جلسات الانتخاب، فإنها تكون هي المسؤولة عن إحداث فراغ شامل في البلاد قد تحصل من خلاله ربما على ما تريد. فأي موقف ستتخذه إيران من الانتخابات الرئاسية في لبنان ومتى؟ هل تنتظر لاتخاذه موافقة الكونغرس الاميركي على الاتفاق النووي؟ هل تنتظر التوصل إلى تسوية للأزمة في سوريا أو في اليمن؟ هل تشترط اتفاق الزعماء في لبنان على إعادة النظر في اتفاق الطائف بحيث يصبح توزيع الصلاحيات على السلطات الثلاث أكثر عدالة وإنصافاً؟ هل تنتظر حصول تقارب بينها وبين السعودية لأن من دون هذا التقارب لا تستطيع إيران وحدها حل أزمة الانتخابات الرئاسية في لبنان؟
وإذا كان لا حل سياسياً في أي دولة يضربها الإرهاب قبل القضاء عليه، فهل يطبق ذلك على لبنان فلا يكون له رئيس إلا بعد حل مشكلة السلاح خارج الدولة، وأن لا حل لهذه المشكلة ما دامت الحاجة إليه في سوريا وفي غير سوريا، والتدخل العسكري فيها مشكلة للبنان المقسم على نفسه بسبب هذا التدخل.
ثمة من يتساءل ما نفع انتخاب رئيس للجمهورية إذا كان سيواصل كأسلافه إدارة الأزمات في لبنان وأساسها وجود سلاح خارج الدولة يحول دون إقامة الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها وعلى تطبيق القوانين على الجميع وفي كل مكان وله القرار من دون علم الدولة؟ ويرى أصحاب هذا الرأي أنه من الأفضل بقاء الشغور في سدة الرئاسة إلى أن تصبح الظروف مؤاتية لحل مشكلة السلاح خارج الدولة ومشكلة تدخله حيث يشاء، وأن تبقى الحكومة تصرف الأعمال إلى أن يحين وقت حل هذه المشكلة، أي انتظار معرفة وضع لبنان في مرحلة التغيير والتحول في المنطقة كي يتم انتخاب رئيس ملائم لهذا الوضع.
وثمة من يقول خلاف ذلك ولا يرى مصلحة للبنان في انتظار حل في سوريا أو في غيرها توصلا إلى حل مشكلة السلاح خارج الدولة، فليس في لبنان تنظيم للارهاب يتطلب ضربه قبل أي أمر آخر، وان وحدة موقف اللبنانيين هي التي ساعدت وتساعد الجيش وقوى الأمن الداخلي على محاصرة خلية من الارهابيين في الداخل وحصرهم عند الحدود، ولا مشكلة سلاح خارج الدولة تواجه الرئيس العتيد اذا كان هذا الرئيس يحظى بتأييد كل القوى السياسية الاساسية في البلاد، وهذا ما جعل الدول الشقيقة والصديقة للبنان تدعو إلى انتخاب رئيس توافقي ليكون قادراً على تحقيق الوفاق الوطني الشامل.
لذلك فإن اللبنانيين هم في انتظار كلمة إيران بعد زيارة وزير خارجيتها، فإما تقول بانتخاب رئيس خلال أيلول المقبل، وإما تقول للبنانيين أن يتّفقوا على رئيس وهي التي لا تجعلهم يتفقون فيصبح لبنان في مهب الريح…