Site icon IMLebanon

بعد سقوط «إتفاق معراب» بالضربة القاضية

         

في استطاعة الرئيس المكلف سعد الحريري أن يعدّد ما يشاء من أسباب وحيثيات تُملي عليه العمل على تأليف حكومة وحدة وطنية تضمّ الغالبية العظمى من القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب، لكي تواجه التحدّيات، الإقيلمية منها والاقتصادية التي تنتظر لبنان.

ولكنْ سيكون ملزَماً بأخذ نتائج الانتخابات النيابية في الاعتبار معياراً أساسياً لـ«الكوتا» الوزارية لكلّ فريق سيجالسه على الطاولة الحكومية، قبَيل الغرق في مستنقع توزيع الحقائب، سواء تلك الدسمة، أو التي تتحوّل جوائزَ ترضية أو«هدايا».

وسيكون صعباً عليه، أو بالأحرى مستحيلاً، تجاوزُ خريطة مجلس النواب في توازناته السياسية، وإنّما سيعمل لإسقاطها على خريطة الحكومة لتكون «ألف باء» التأليف.

بهذا المعنى، تفرِد معراب ريشَها مطالِبةً بقوّة، بتمثيل وزاري لا يقلّ عن خمسة وزراء سيمثّلون «القوات» على طاولة الحريري الثانية في عهد الرئيس ميشال عون، بعدما حصَلت على الضمانات الكافية، محلّياً وإقليمياً في أنّها لن تكون فريسة العزلِ والإلغاء. تحمل معراب رزمة الأرقام التي حقّقتها خلال الانتخابات النيابية لتُبرزَها في وجه كلّ من يهوّل عليها بالحصّة والحضور الحكوميَين.

هكذا تبدو «القوات» غيرَ مكترثة لـ»الامتيازات» التي منَحها إياها التفاهم الرئاسي مع «التيار الوطني الحر» والذي يقضي بتوزيع المقاعد الوزارية المخصّصة للفريقين مناصفةً بينهما، ليس من باب التكبّر على الاتفاق، خصوصاً أنّه سقط بضربة عونية قاضية، وإنّما كونها قادرةً على المحاججة والخروج سليمةً من المفاوضات بحصّة وزارية وازنة، ما يجعلها غيرَ معنية بـ«كَرَم» الفريق الثاني أي «التيار الوطني الحر».

من هنا تطالب «القوات» بحصّة لا تقلّ عن خمسة وزراء ربطاً بعديد كتلتِها النيابية، بينها حقيبة سيادية، علّها تعوّض ما حجَبه عنها «التيار الحر» في الحكومة الأولى التي تصرّف راهناً الأعمال، كما يقول مطّلعون على ما كان يسمّى «تفاهم معراب».

إذ إنّ الاتفاق كان يقضي وفق هؤلاء بالتعامل بالمِثل بين الحليفين في عهد الرئيس ميشال عون، سواء لجهة المشاركة في الحكومة كمّاً ونوعاً أو في الإدارات الرسمية. الأمر الذي لم يحصل أبداً بسبب رفضِ رئيس «التيار» جبران باسيل الالتزامَ بمندرجات الاتفاق.

عملياً، سقط التفاهم في أرضه بضربة سدّدها باسيل عشية الصمتِ الانتخابي، ومِن حينها لم يجد من يقدّم له الإسعافات الأوّلية، أقلّه من الضفّة العونية، بقرار واضح من رئيس «التيار». صار الاتفاق من الماضي، لكنّ مفاعيل المصالحة لا تزال تنبض في شرايين الشارع المسيحي الذي أبدى تأييدَه لها وتفاعَل معها، وهذا ما بيَّنته صناديق الاقتراع، كما يؤكّد المطّلعون.

يمكن «القوات» أن تجاهر علناً أنّها كسبَت من المصالحة أكثر ممّا تكبَّدته. فرئاسة الجنرال ميشال عون أتت متمّمةً لمفاوضات المصالحة ولكن لم تكن سبباً لها بعدما حملَ رئيس تيار «المستقبل» الخيار الرئاسي إلى بنشعي ووضَعه بين يدي زعيمها سليمان فرنجية. وإذ بمشاورات الرابية تضمّ قصر بعبدا إلى سلّة المفاوضات.

تكفي قراءة سريعة لنتائج الانتخابات للتأكّدِ من العوامل الأساسية التي ساهمت في التمدّد «القواتي» على الخريطة المسيحية الشعبية، ومعظمُها يدور حول مفاعيل المصالحة: تنقيح سِجلّ رئيس «القوات» سمير جعجع، وقفُ التصويت السلبي الذي كان يلاحق «القوات»، جذبُ المستقلّين، انكفاء شريحة من العونيين، وأداء «القوات» الحكومي.

ولذا لا تُبدي «القوات» حرصاً «ملكياً» على مندرجات التفاهم مع «التيار» وباتت تتّكِل على «عضلات» رئيس الحكومة المكلّف الذي وعَد قيادتها، على ما يقول مطّلعون على العلاقة الثنائية، بخوض «معركةٍ» لتحصيل مطلبها بحقيبة سيادية، بعدما انقطع الحوار بين الحليفين السابقين، أي «التيار الوطني الحر» و«القوات»، باستثناء اللقاء الذي جَمع عون والوزير ملحم رياشي. وغير ذلك، «صفر تواصُل».

ولكنّ هذا لا يعني أنّ الحريري سيلتزم «الأجندة القواتيّة» كما هي، خصوصاََ وأنّ تخمة المطالبِ قد تجعل من حكومته خمسينية، وليس ثلاثينية. هكذا تفيد المعلومات أنّ رئيس الحكومة المكلّف قد يفاوض على أساس أنّ الحصة «القواتية» قد تنخفض إلى أربعة وزراء مقابل تسعة وزراء لتكتّل «التغيير والإصلاح» مِن ضِمنهم حصّة رئيس الجمهورية الثلاثية و»الطاشناق»، خصوصاً أنّ تجربة حكومة العهد الأولى أثبتت أنّ التمايز بين حصّة رئيس الجمهورية وحصّة «التيار الوطني الحر» أشبَه بضربٍ من ضروب الخيال.