Site icon IMLebanon

بعد رفع العقوبات: لا تغيير وإيران مستمرة بما هي عليه!

ربما أَّن أول سؤال تبادر إلى أذهان المتابعين لهذا الشأن هو: هل أن إيران يا ترى بعد رفع بعض العقوبات عنها سوف تقف وقفة نقٍد فعلي وجّدي مع الذات٬ وسوف تراجع حساباتها بكل صدق وشجاعة٬ وتعيد النظر في مسيرة انحراف مكلفة وخطيرة كانت بدأتها بعد انتصار ثورتها الخمينية في عام ٬1979 واستمرت على مدى كل هذه الأعوام الطويلة منذ ذلك الحين وحتى الآن؟!

يشير بعض التقديرات إلى أن كبرياء كبار معممي إيران٬ المبنية على الأوهام٬ قد دفعتهم إلى إنفاق أكثر من مائتين وخمسين مليار دولار على مشروع امتلاك الأسلحة النووية٬ وأن غرورهم قد دفعهم إلى تجويع شعبهم واضطهاده وأْخذ أبنائه عنوة إلى محارق حروب ونزاعات لا هي محقة ولا هي ضرورية٬ وكل هذا استجابة لوْهِم ونزعة إحياء الدولة الصفوية٬ واستعادة ما يعدونه أمجاد فارس القديمة.

كان على حسن روحاني لو أنه صاحب قرار بالفعل ألا يزف البشرى للشعب الإيراني٬ ويدعوه إلى إقامة الأفراح والليالي الملاح٬ بل كان عليه أن يبادر فوًرا إلى إنشاء محكمة مخولة لفتح صفحات مسيرة أكثر من خمسة وثلاثين عاًما٬ ولمحاسبة حتى الأموات الذين أقحموا إيران خلال كل هذه الأعوام الطويلة في هذه الحروب٬ وهذا بالإضافة إلى الأحياء الذين ما زالوا يقحمونها في كل هذه الصراعات المكلفة٬ وفي التدخل في شؤون دوٍل مجاورة وبعيدة من المفترض أنها شقيقة وصديقة وأنه يجمع الإيرانيين بشعوبها تاريخ طويل وحضارة مشتركة.

وأيًضا فإنه كان على حسن روحاني٬ لو أَّن لديه الَّرغبة والقدرة٬ ألا يدفع الشعب الإيراني دفًعا إلى الاحتفال بـ«إنجاز» كاذب ووهمي٬ وأن يبادر فوًرا إلى الإعلان عن أن هناك مسؤولاً ومسؤولين عن هذه الكارثة٬ وأنه آن أوان المحاسبة٬ وأنه لا بد منَفْتح أبواب المحاكم ومحاسبة حتى الأموات على مغامرة دفع ثمنها الإيرانيون وعلى حساب قوت أطفالهم وتطور بلدهم ونموه٬ كل هذه الأموال الطائلة وكل هذه الأرقام الفلكية التي كان يجب أْن تصرف بدل كل هذا العبث وكل هذه المغامرات على التنمية وعلى إنشاء المدارس والجامعات وعلى الطرق والسدود والمطارات والزراعة والصناعة.

وبالطبع فإن هذا مطلٌب افتراضي وتعجيزي٬ فهذا الرئيس الإيراني حسن روحاني ليست لديه القدرة٬ حتى وإن كانت لديه الرغبة في فتح أبواب المحاكم لمحاكمة المسؤولين عن مسيرة إيران البائسة والمكلفة والمتعثرة والوهمية منذ عام 1979 وحتى الآن.. حتى هذه اللحظة فهو مجرد واجهة «ديكورية» لنظام صاحب القرار فيه هو الولي الفقيه ومرشد الثورة علي خامنئي٬ وهو قائد حراس الثورة الجنرال محمد علي جعفري٬ وهو بعض الذين يتدثرون بجزء من عباءة الإمام».. وأيًضا ربما الذين يديرون أموال ولاية الفقيه التي تقدر بعشرات.. والبعض يقول بمئات المليارات.

كل وسائل الإعلام العالمية تحدثت عن أن الشعب الإيراني قد استقبل٬ ما اعتبره علي خامنئي ومعه حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف وبعض منُيعدون وَيعدون أنفسهم: «مسامير صحن» هذا النظام الغريب العجيب نصًرا مؤزًرا٬ بفتور واضح فهذا الشعب الذي ذاق الأمرين على مدى سنوات الثورة الخمينية الطويلة كان يعرف سلًفا أَّن لعبة الحصول على القنبلة النووية لعبة فاشلة٬ وأن كل هذه المليارات التي صرفت كان يجب أنُتصرف على رخائه وعلى تطوير بلده٬ وأنه لم تكن هناك ضرورة لحرب الثمانية أعوام المعروفة ولا للصراعات التي افتعلها «آيات المعممين» في العراق وفي سوريا وفي لبنان واليمن والبحرين.. وفي الخليج (الفارسي)!! كله.. ومؤخًرا وكما يبدو في باكستان وأفغانستان وأيًضا في تركيا.

إَّن هذه هي حقائق الأمور٬ وإَّن هذا هو واقع الحال.. و«لا يغير الله ما بقوٍم حتى يغيروا ما بأنفسهم»٬ ويبقى أنه لا بد من العودة إلى السؤال المتداول الآن في وسائل الإعلام وفي المحافل الدولية كلها وفي كل مكان إْن في هذه المنطقة الشرق أوسطية أو في العالم بأسره وهو: هل أَّن إيران يا ترى سُتدِركَكْم أن الذين  قادوها على مدى خمسة وثلاثين عاًما وأكثر قد ارتكبوا بحقها وحق شعبها جرائم لا تغتفر٬ ولذلك فإَّن رفع العقوبات الجزئي يجب أن يدفع الشعب الإيراني إلى القول لمسؤوليه.. إلى الولي الفقيه ومن يشاركه في القرار وكل مْن حوله من جنرالات حراس الثورة وغيرهم: كفى.. كفى.. ولا بَّد من تصحيح المسيرة والتوقف عن كل هذا اللعب والتلاعب.. لا بد من تغيير الاتجاه!!

وبوضوح أكثر.. هل أَّن أصحاب القرار الفعلي في إيران٬ الذين ليس من بينهم لا حسن روحاني ولا محمد جواد ظريف.. وأيًضا ولا هاشمي رفسنجاني٬ باتوا يدركون أَّنه ثبت أن كل «ألاعيبهم» فاشلة٬ وأن النهاية المأساوية التي انتهت إليها محاولاتهم النووية٬ بعدما كلفت إيران والشعب الإيراني أكثر من مائتين وخمسين مليار دولار٬ أقنعتهم بضرورة الوقوف وقفة شجاعة مع الذات وتغيير المسار كله والبدء مجدًدا ومن جديد من نقطة الصفر إْن على الصعيد الداخلي وإْن على صعيد العلاقات مع الجوار.. والعلاقات الخارجية؟!

وأيًضا وبوضوح أكثر فهل يا ترى سيأخذ الولي الفقيه علي خامنئي ومعه جنرالات حراس الثورة قراًرا تاريخًيا ويبادرون لفتح صفحة جديدة مع جوارهم العربي ويضعون حًدا فعلًيا لتدخل إيران السافر في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن وفي البحرين.. وانسحابها ­ أي إيران ­ من الجزر الإماراتية الثلاث: «أبو موسى٬ وطنب الكبرى٬ وطنب الصغرى».. هل سيحدث هذا؟.. أم أَّن كل ماُيقال في هذا الصدد وفي هذا المجال هو مجرد أماٍن وافتراضات وهو مجرد أضغاث أحلام؟!

قبل ساعات قليلة من إعلان الغرب٬ وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية٬ عن أَّن إيران قد استجابت لكل ما طلب منها بالنسبة للتخلي عن كل تطلعاتها النووية وتفكيك كل «المفاعلات» المتعلقة بهذا الشأن٬ وأنه لا بد من رفع العقوبات المتعلقة بهذا الشأن عنها٬ ظهر قائد حراس الثورة الجنرال محمد علي جعفري على شاشات فضائيات العالم كلها وهو يعلن عن أنه تم تدريب (مائتي ألف) من الشبان وإرسالهم إلى العراق وسوريا واليمن وباكستان وأفغانستان.. فماذا يعني هذا؟!

ثم وبعد ساعات قليلة فقط صدرت الأوامر وربما من الجنرال محمد علي جعفري نفسه إلى قائد «الحشد الشعبي» في العراق هادي العامري٬ الذي هو ضابط مرموق في حراس الثورة الإيرانية٬ بارتكاب تلك المجزرة البشعة التي ارتكبت ضد العرب السنة في المقدادية وفي ديالي وتدمير تسعٍة من مساجدهم.. فماذا يعني هذا؟!

وكذلك وفي الوقت ذاته فإن المعروف أن نظام بشار الأسد قد أعلن عن أنه يعد لهجوم عسكري كبير على مدينة حلب٬ وأن حراس الثورة٬ الذين فقدوا جنرالاً كبيًرا في هذه المنطقة خلال الأيام الأخيرة٬ سيشاركون في هذا الهجوم٬ وسيشكلون طليعته.. فماذا يعني هذا؟!

هناك مثل شعبي يردد بكثرة ودائًما وأبًدا في منطقة بلاد الشام يقول: «لو أنها ستْشتي (تمطر) لكانت غَّيمْت أولاً»٬ ولذلك ولأن إيران مستمرة في مواقف وسياسات ما قبل الرفع الجزئي للعقوبات عنها٬ ولم يبدر عنها ما يشير إلى أنها عازمة على ولو التخفيف من تدخلها في الشؤون الداخلية لكثير من الدول العربية فإنه علينا ألا نتفاءل لا كثيًرا ولا قليلاً بأن هناك تغييًرا مرتقًبا لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد في النهج الإيراني والمستمر منذ عام 1979 وحتى الآن!