ما بعد «ثورة 17 تشرين» ليس كما قبله… ماذا ينتظر لبنان في الايام المقبلة؟
في ظل صمت اكثرية المسؤولين والاحزاب عما يجري من انتفاضة شعبية، في كل مناطق لبنان والعواصم الاوروبية والاميركية، حيث يلجأ المغتربون اللبنانيون بدورهم الى التظاهر بحثاً عن لقمة العيش في ديارهم، التي غادروها مرغمين بفضل سياسة اكثرية مسؤوليهم، يسود هذا الصمت المدوّي ليؤكد حق الشعب اللبناني ولو متأخراً في الانتفاضة، بحثاً عن حقوقه التي لا ينال ادناها من دولته، سائلاً عن الاساسيات منها فلا يجدها، كالكهرباء والماء والطبابة والاستشفاء والتعليم المجاني وحقه بقروض الاسكان، وبأمواله المسروقة الى جيوب اكثرية المسؤولين منذ عقود، من دون ان يرّف جفن هؤلاء. لكن اليوم إستفاق هذا الشعب ولو بعد سبات عميق، حتى ان القواعد الشعبية للمسؤولين والاحزاب إستفاقت بدورها، ولم تعد تبالي بزعيمها من دون إستثناء احد، اذ بلغت موجة الاحتجاجات كل المدن تقريباً، لكن منذ ثورة الخميس الماضي وبعد ان طفح الكيل، لم تعد تتقبل الجماهير خيارات السياسيين التي اوصلتهم الى الهلاك، ضمن مشهد لم نره في أي مرة، مع العلم انه لم يمّر الكثير من الوقت على الانتخابات النيابية الاخيرة، والتي حوت تأييداً وانتخاباً لأكثرية المسؤولين الذين جُدّد لهم من قبل مَن ينتفض عليهم حالياً.
لكن اليوم توّحد الشعب تحت شعار « كلن يعني كلن»، مما يعني ان الطائفية والمناطقية والولاء المطلق للزعيم، كلها اُزيحت عن صدر المواطن لتتحوّل هجومات بالجملة غير مسبوقة، مما يؤكد بأن الانتفاضة التي إشتعلت منذ ليل الخميس تتجه نحو تحقيق مطالبها، في حال نجحت بإبعاد الطابور الخامس المُرسل من قبل البعض لخربطة الانتفاضة وإلغائها، فيما المطلوب الوعي والادراك والتيقظ الى ابعد الحدود، لتحقيق عبارة « ما بعد ثورة 17 تشرين ليس كما قبله».
وعلى الخط الحزبي، تشير مصادر نيابية قواتية بأن حزبهم لبّى نداء الشارع، وكان الوحيد من بين الاحزاب والافرقاء السياسيّين الذين قدّموا إستقالتهم على وقع مطالب الشارع، لانه يرفض ان يكون شاهد زور في الحكومة، فلطالما رفضنا وتصدّينا للملفات المشبوهة ونجحنا في عرقلة بعضها، وعملنا بشفافية الى ابعد الحدود لمقاومة الفساد، لكن اليوم باتت الحكومة عاجزة عن ايجاد الحلول، ومن هذا المنطلق قررنا التقدم بإستقالة وزرائنا، مشدّدة على ضرورة إستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري لان قاعدته الشعبية لم تعد تتقبل خياراته، والافضل ان تتشكل حكومة من الاختصاصيّين لانها الحل الوحيد في ظل هذه الازمة، لان هذا النوع من الحكومات يستطيع النهوض بالوطن، على ان تكون بعيدة كل البعد عن الطبقة السياسية، وتحمل الكفاءة والنزاهة ضمن فريق متجانس وفاعل. ورأت هذه المصادر بأنها لم تتعرّض كغيرها من الانتقادات الشعبية او من قواعدها، لانها لم تشارك في الفساد كغيرها، خصوصاً انها لبّت مطلب الشارع.
من جهته الحزب التقدمي الاشتراكي الذي اعلن نائبه بلال عبدالله الاستقالة صباح السبت الماضي عبر برنامج اذاعي، عاد رئيسه وليد جنبلاط ليغيّر رأيه على الرغم من تلويحه هو ايضاً بإستقالة وزرائه، لكنه دعا الى إستقالة غيره قائلا:» « بعض الوزراء يجب أن يتنحّوا ولا يمكننا البقاء معهم في الحكومة، مسمّياً وزير الخارجية جبران باسيل، في حين ان بعض ابناء الجبل والمناصرين لم يستثنوا جنبلاط والحزب الاشتراكي من توجيه اللوم له، كذلك الامر بالنسبة الى حركة امل وحزب الله والتيار الوطني الحر والكتائب والقوات والمردة وغيرهم، مما يشير الى إمكانية نجاح هذه الثورة.
في غضون ذلك وعلى خط اقتصادي يتخوّف من حصول الاعظم، في حال لم يتوصل فريق السلطة والشعب الثائر الى حل، يلفت خبير اقتصادي بارز الى ان الوضع مخيف جداً في كل الحالات، فإذا إستقالت الحكومة لاحقاً وتحت عصيان الشارع، فهذا يعني الفراغ والفوضى وفلتان البلد وتسريع الانهيار الإقتصادي، الأمر الذي من شأنه تفاقم الأزمة المالية وتسريع التدهور الاقتصادي وصولاً الى الانهيار، مشدّداً على ضرورة تطبيق الحكومة للورقة الاصلاحية التي قدمتها، وهذا صعب ايضاً، لذا عليها البدء بتنفيذ المشاريع الاصلاحية بتمويل من «سيدر»، وتأمين فرص عمل للشباب والتخفيف من معاناتهم، لان ارقام البطالة وصلت الى نسبة 35 في المئة، إضافة الى الإنصراف لتنفيذ مشاريع عاجلة، تؤمّن فرص عمل وتقدّم ضمانات لتنفيذها، مع ضرورة إلغاء عدد كبير من الضرائب، حينها فقط يمكن تجنّب الإنهيار الحتمي .