وسط حماوة المشهد الانتخابي في لبنان والتحضيرات الجارية على قدمٍ وساق في مختلف الدوائر، تشهد منطقة بعلبك – الهرمل حالاً من الركود الانتخابي في العلن، ومراجعة حسابات وتدقيقاً في الأسماء خلف الكواليس وإعادةَ ترتيبِ البيت الداخلي لمختلف القوى والأحزاب السياسية الفاعلة، بعد قراءة القانون الجديد المفتوح على أكثر من احتمال.
شكّلَ إقرار قانون الانتخاب على أساس النسبية بارقة أملٍ في تغيير التركيبة النيابية التي تتصدّر المشهد منذ دورات عدة، ويَطمح من خلاله البعضُ لإيصال وجوه جديدة إلى الندوة البرلمانية، فيما تسعى بعض الأحزاب إلى تحسين نسبةِ تمثيلها بزيادة عددِ مقاعدها في أكثر من دائرة.
في بعلبك الهرمل التي تمتدّ على مساحة 3009 كيلومتر مربّع، وتضمّ عشرةَ نواب موزّعين بين (6 شيعة، إثنان سنّة، 1 ماروني، 1 كاثوليكي)، تستعدّ الأحزاب والشخصيات التي تقع في الطرف المقابل لـ»حزب الله» وحركة «أمل» لخوضِ غمارِ الانتخابات النيابية بعد حسابات دقيقة يتطلّع فيها البعض إلى خرقٍ محتوم، يكون الصوت السنّي والمسيحي رافعتَه، بعدما كان مُصادَراً وليس له قيمة في الدورات السابقة، بحسب مراقبين.
بداية الترشحيات كانت من حزب «القوات اللبنانية»، حيث أعلِن ترشيح الدكتور طوني حبشي من معراب عن المقعد الماروني في المنطقة، ما فتحَ الباب أمام التحالفات التي تتّجه حتى الآن نحو التفاهم مع تيار «المستقبل» والشخصيات الشيعية المستقلة الذين خاضوا الانتخابات البلدية ونافسوا «حزب الله» وحركة «أمل»، فيما يرى مراقبون أنّ إعلان «القوات» الترشّحَ لمقعدٍ واحد من المقعدين المسيحيّين هو لتركِ الباب مفتوحاً مع «التيار الوطني الحر» واختياره المرشّحَ الآخر للمقعد الكاثوليكي.
وبغَضّ النظر عن التحالفات، تُعوّل «القوات» على القانون الجديد وتنظر إلى نتائج الانتخابات النيابية عام 2005 التي حصل فيها مرشّحها طارق حبشي على أكثر من ثلاثين ألف صوت، فيما حصل الفائز الأوّل في لائحة «حزب الله» وحركة «أمل» على أكثر من سبعة وثمانين ألف صوت، أيّ أنّ «القوات» تعتبر أنّها أمَّنت الحاصلَ الانتخابي حكماً، خصوصاً أنّ الشارع المسيحي ينظر اليوم إلى الانتخابات بعين الخرق، فالصوتُ المسيحي لم يكن له أيّ قيمة أمام المحادل، والقانون القديم كان لتسجيل موقفٍ فقط، أمّا اليوم فأصبح للصوت قيمة وفقَ القانون الجديد.
«القوات» وفخري
وفي هذا الإطار، يقول حبشي لـ«الجمهورية»، إنّ «القوات» منفتحة على كلّ الفئات والناس في المنطقة، تلك التي تؤمن بالدولة ولديها رؤية تنموية وسياسية للمنطقة، وعنوان العمل الأساسي والبرنامج الانتخابي هو اقتصادي بامتياز، فالحِرمان المزمن منذ «الطائف» وحتى اليوم غير مسموح»، مشدّداً على أنّ «الناس يحتاجون إلى الإنماء والحياة الكريمة».
ويشدّد على أنّ «غالبية المكوّنات ومنذ إعلان الترشيح تواصَلت مع «القوات»، لكنّ الحديث لا يزال مبكراً عن تحالفات وأسماء من الطوائف الأخرى، فالأمور تحتاج إلى جوجلة، ولبعلبك – الهرمل وضعيّة خاصة، والتحالف فيها سيكون مع من يَنظر مثلاً إلى واقع المنطقة.
ونُقارب الإنماءَ من الوضع الاقتصادي وموضوع المخدّرات والزراعات البديلة، فالناس لا يستطيعون أن يعيشوا على الاقتصاد الريعي»، وسأل: «هل من المسموح أن يكون هناك جهة سياسية لديها عشرة نواب، وخلال ثلاثين عاماً يكون هذا النقص في المنطقة على مختلف المستويات؟».
بدوره يسعى باتريك فخري، نجلُ الشهيدين صبحي ونديمة فخري، من خلال الجولات واللقاءات التي يقوم بها في مختلف المناطق إلى أن يكون مرشّحاً توافقياً عن المقعد الماروني في المنطقة ضمن لائحة «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» وقوى الثامن من آذار.
ويقول فخري لـ»الجمهورية» إنّ «ترشُّحه جاء ليصبَّ في خدمةِ الناس ورفعِ الحرمان عن البقاع الشمالي الذي يعاني إهمالاً في القطاع الزراعي، وإنّه يسعى لأن يكون مرشّحاً جامعاً، تجسيداً لنموذج العيش الواحد الذي لم يهتز خلال الحرب الأهلية بفِعل وعيِ أهالي المنطقة وقياداتها وأحزابها».
ويشير إلى أنّ «الناسهم من يقرّرون في النهاية، وطموحي أن أمثّلَ كلَّ منزلٍ في البقاع، وليس قرية أو طائفة أو أيّ مذهب»، نافياً «إستمرارَه في الترشّح إذا لم يكن مرشّحاً توافقياً ومحطَّ إجماعٍ بين قوى الثامن من آذار».
«الحزب» و«أمل»
على المقلب الآخر، لا تزال الضبابية تطغى على معالم التركيبة التي يسعى «حزب الله» إلى بلوَرتها وإنجازها بالتنسيق مع حليفه حركة «أمل»، فيما لا يزال التحالف مع «التيار الوطني الحر» غيرَ مؤكّد. وبحسب المعلومات تتّجه أنظار الحزب إلى الوزير السابق ألبير منصور لضمِّه إلى لائحته عن المقعد الكاثوليكي، وكذلك ضمّ شخصية سنّية من عرسال إلى اللائحة بدلاً من النائب الحالي الوليد سكّرية الذي يُكرّر أنّه سيخوض الانتخابات سواء مع الحزب أو من دونه، فيما لم يبتَّ الأمر بالنسبة الى المقعد السنّي الثاني، وهو دائماً يكون من بعلبك حيث يبحث الحزب عن خلَفٍ للنائب كامل الرفاعي تتطلّع خلاله العائلات السنّية الصغيرة إلى التمثيل، غير أنّ المؤكّد بحسب مصادر متابعة، أنّ الحزب يعمل على تغييرٍ في أسماء مرشّحيه بمن فيهم المرشّحون الشيعة، فالمعركة المقبلة تحتاج إلى مرشّحين لديهم شعبية يمكن أن تعطي اللائحة نسبة مقترعين عالية، على أن يتولَّى الحزب من خلال مناصريه وعناصره توزيعَ الصوت التفضيلي في ما بينهم وفق اللعبة الانتخابية.
وتضيف المصادر أنّ «حزب الله» ينظر إلى الانتخابات المقبلة بعين الدقّة والاهتمام، ويضعُ أمامه وضِمنَ الخيارات ونتائج المعركة حصولَ خرقٍ في نائبين أو ثلاثة، وعليه، سيَدعم الحزب لائحةً ثانية غيرَ اللائحة الرئيسية التي يترأسها، وذلك بغية تشتيتِ المعارضة وعدمِ الوصول إلى الحاصل الانتخابي.
من جهتها، تستعدّ حركة «أمل» لإطلاق الماكينة الانتخابية في البقاع خلال الأيام المقبلة، بعدما تمّ تأجيل إطلاقها لأسباب لوجستية، وسيبقى مقعدها النيابي في المنطقة من حصة الوزير غازي زعيتر الذي لا ينفكّ عن تقديم الخدمات لأهالي المنطقة، خصوصاً بعد تعيينه وزيراً للزراعة في الحكومة الحالية.
«المستقبل»
أمّا تيار «المستقبل» الذي يتخبّط على مستوى المرشّحين في لبنان عموماً، ولم يتبنَّ أيّاً من المرشحين بعد فيما الثابت تحالفُه مع «القوات اللبنانية»، فقد اعتاد خوضَ المعركة الانتخابية في منطقة بعلبك الهرمل بدعمِه شخصيات شيعية معارضة إضافةً إلى مرشحين سُنّة ومسيحيين.
وحتى اللحظة، لم يَطرح أسماء أيّ مرشّحين من السنّة أو الشيعة، لكن المتعارَف عليه أنّ التيار يسمّي دائماً للمقعد السنّي إسماً مِن عرسال، وهنا يطرح بقوّة إسمَ شخصية من عائلةٍ الحجيري أكبر عائلات عرسال، وكذلك يطرَح أسماء علي صبري حمادة، يحي شمص، دريد ياغي عن المقاعد الشيعية، بعدما كانت التجربة معهم في الدورات الماضية ناجحةً ولديهم شعبية واسعة، ومن بيوت سياسية يمكن أن تعطي اللائحةَ أصواتاً.
أكثر مِن ثلاث مئة ألف صوتٍ في بعلبك الهرمل موزّعة بين ثلثَي الناخبين للطائفة الشيعية وثُلث من السُنّة والمسيحيين، وفي جردةِ حساب صغيرة يتبيّن أنّ التحالفات وإدارة المعركة جيّداً تتيحُ للائحةٍ معارضة أن تبدأ بـ 20 في المئة من المقترعين، أي الحاصل الانتخابي، ما يعني تحقيقَ خرقٍ مؤكّد، كما سيرفع الصوتُ التفضيلي نسبة الاقتراع إلى 70 في المئة نظراً لحماوة المعركة.