على رغم كل التكهنات الخبيثة، والتوقعات المفخخة، جرى انتقال الحكم في المملكة العربية السعودية، بسلاسة وروية، على عادة الانتقالات السابقة، منذ خلافة الملك سعود لأبيه المؤسس الملك عبد العزيز.
اختلاف واحد يسجل مع تولي الملك سلمان: فتح باب الحكم، رسميا، وفعليا، أمام الجيل الثاني من العائلة بتسمية الامير محمد بن نايف، وليا لولي العهد. فالسعودية ليست بلداً عادياً. وأهل الحل والربط فيها، يعون، منذ زمن، مخاطر اهتزاز التوازنات في المنطقة، وأهمية تثبيت الاستقرار في الداخل والمحيط. والسعودية هي المصدر الأول للنفط بـ 7 ملايين برميل يومياً، وتملك الاحتياط العالمي الثاني من الذهب الاسود (بعد فنزويلا)، وهي حليف تقليدي للولايات المتحدة الاميركية منذ عام 1945، والحلف بينهما لم ينفضّ يوما، وجدد عام 2005 لـ 60 سنة مقبلة.
والسعودية، الى ذلك، ثقل لا يوازى في العالمين العربي والإسلامي، يزيده تأثيراً كونها تحتضن مكة المكرمة والمدينة المنورة.
كل ذلك يجعل من المملكة حجر رحى الاستقرار في المنطقة، ويجعل المحيط يتأثر بأي تغيير في سياستها، وتوجهاتها، فيحرك القلق، أو الطمأنينة، لدى دوله. فالسعودية ليست أرض نفط فحسب، تحديداً في هذه المرحلة، بل وسادن المنطقة. فهي تواجه، سلما، استراتيجية ايران التوسعية، في البحرين واليمن وسوريا والعراق ولبنان. وتشارك التحالف الدولي في الحرب على “داعش”، كما تواجه الارهاب العالمي، بالحوار بين الأديان، وبحض الامم المتحدة على إنشاء مركز لدرسه وقتاله، بالفكر.
حمل غياب الملك عبدالله، ولي عهده الملك سلمان الى العرش، في ظروف عالم عربي يبحث عن قائد، بعدما اسقطت الوقائع الشعبية زمن زعامات المزايدات القومية والتقدمية من صدام الى القذافي، والأسد، الأب والإبن. واذا كانت القيادة العربية تنتظره ليتولاها، فان القيادة الاسلامية تشهد خصما يحاول منافسته، بملف نووي حينا، وشعارات تحرير القدس أحياناً، وأطماع توسعية اقليمية، في كل حين. وما يشهده اليمن ليس سوى الصورة الأوضح للغزو السياسي الإيراني، الذي يستهدف كل المنطقة العربية، ويؤشر، بمجرياته، الى تواطؤ أميركي ما. كما ان دعم ايران، عبر ادواتها المذهبية من كل البلدان، للنظام الدموي في دمشق، وتدعيمه، ليس سوى صورة اخرى لطموح قومي – مذهبي لا يمارى.
ويرث الملك الجديد ملف اصلاح داخلي، انطلق مع الملك عبدالله في التعليم، والقضاء، وبتنظيم انتخابات مجالس بلدية وتأسيس حوار وطني بمنتديات للنساء والشباب، ومنظمة لحقوق الانسان، وتوسيع حرية الصحافيين.
ويراهن كثيرون على ان أمير الرياض السابق سيوسع درب الإصلاح الى مجالات أخرى. وهو الذي بينه وبين المعاصرة أواصر نطقت بها مدينة الرياض، بحداثتها بناء ومجتمعا، ونطقت بها سمعته كـ “ليبرالي” موضوعي، ذي نزاهة سياسية، وهو ما يؤهل الإصلاح ليرث الإصلاح، ويوازن بين المعاصرة وبين الجذور والتقاليد.