Site icon IMLebanon

بعد التسوية.. «اتفاقية سلام» سورية ـ إسرائيلية

الرئيس بشار الاسد، «وسيلة» وليس غاية لـ»القيصر» فلاديمير بوتين. القرار الروسي بالانخراط في الحرب السورية، ليس لإنقاذ الاسد وتثبيته في الرئاسة الى الابد، كما تهدف ايران. «القيصر» أراد وعمل ويعمل على تحقيق عدة اهداف دفعة واحدة، ابرزها التحول الى «شريك» كامل الحقوق مع الولايات المتحدة الاميركية. لذلك فإن موسكو وهي تتمدد في سوريا والقرارات الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، تريد وتعمل على تحصيل كل ما تستطيعه ويمكنها من الثروات. موسكو ليست بالتأكيد «كاريتاس». من الطبيعي ان تكون مكاسبها مهمة وتزيد على كلفة «اقامتها».

موسكو ليست طارئة على منطقة الشرق الاوسط، خصوصاً سوريا منها، وهي تعرف تفاصيلها التاريخية والحديثة منها. لذلك فهي تتحرك على اساس ان الحرب في سوريا مسألة طارئة، وليست دائمة، ولا بد ان يصاغ لها حل بالتعاون مع واشنطن عاجلاً أو آجلاً. المهم ما بعد التسوية، لأن ازمات اخرى اخطر مستمرة وخطرها قائم من تداخل التاريخ فيها بالجغرافيا والاديان السماوية.

القضية الفلسطينية كانت وما زالت «أم القضايا». ما لم تحل ستبقى عملية توالد المشاكل والازمات والحروب مستمرة بلا توقف. المصالحات واتفاقيات السلام المنفردة السابقة بين اسرائيل ومصر والاردن ومنظمة التحرير الفلسطينية فتحت مسارات يمكن السير فيها، السؤال بالنسبة لموسكو وحتى واشنطن: لماذا لا توضع سوريا الجديدة على «سكة» جديدة تحقق اتفاقية سلام سورية اسرائيلية؟ مجرد حدوث مثل هذه الاتفاقية ينتج تطوراً يسمح للجميع باستثماره في مشاريع اقتصادية بعضها خيالي، خصوصاً أن ثروات جديدة من الغاز والنفط ظهرت في البحر المتوسط تبدو أكثر من واعدة على شواطئ لبنان واسرائيل وقبرص.

روسيا تطمح لأن تكون «شريك الثلث» وربما اكثر في هذا القطاع الواعد. لذلك عرض بوتين «الشراكة» على نتنياهو في استثمار منصات الغاز في القطاع الاسرائيلي. وهو يطمح لأن يأخذ من القطاعات اللبنانية في عملية استثمار واسعة قرابة الثلث، اضافة الى الشراكة في الغاز القبرصي. «الطعم» الذي قدمه «القيصر» لنتنياهو، ان «الشراكة» في منصات الغاز تضمن الأمن لها من «حزب الله». «الحزب» لن يدخل في حرب مع موسكو. لا طهران ولا الحزب لهما مصلحة في ذلك، الى جانب ان قدرات الحزب تبقى محدودة في مواجهة «التعهدات الروسية» لاسرائيل اليوم وبعد عقود من الزمن.

كل هذا يعني تجريد «حزب الله» من «سلاح» كان يريده مساراً لتمديد «مقاومته» من الحدود الجنوبية الى البحر. «المقاومة» تبقى في الجنوب حتى اشعار آخر تكون علامته تفاهم موسكو مع طهران.

الأهم سوريا. موسكو تنسق منذ «نزلت» في سوريا مع تل ابيب. علاقات «القيصر» بنتنياهو ليست بحاجة الى الكشف عنها فهي ليست سرية. «القيصر» يعمل على فتح مسار التسوية بين دمشق وتل ابيب للتوصل الى اتفاقية سلام كاملة. الرئيس حافظ الأسد أحبط التسوية لأنه كان يريد «اصطياد» السمك في بحيرة طبريا. سوريا الخارجة من الحرب لن تكون سوريا القديمة، فهي اساساً ستكون منهكة وضعيفة وبحاجة لسنوات طويلة لاعادة اعمارها. من هنا يعمل «القيصر» مع نتنياهو للتوصل الى «اتفاقية سلام« تنطلق من حيث توقف مع حافظ الاسد أي انجاز الانسحاب الاسرائيلي من الجولان، مقابل علاقات كاملة بين دمشق وتل ابيب. بهذا يتم اقفال الملف «الأم» من الصراع العربي الاسرائيلي بعد انجاز هذه «المصالحة» تفتح باقي المسارات لانهاء الصراع الاسرائيلي العربي، خصوصاً ان الاجواء تبدو مواتية منذ الآن.

طبعاً تبقى إيران في قلب هذه المشكلة التي استثمرت فيها ايديولوجياً وسياسياً. ليس من السهل لطهران اقفال ملف اقتلاع «السرطان الاسرائيلي». لكن كما يبدو فإن طهران تستعد منذ فترة لتلقف «الكرة». المرشد آية الله علي خامنئي طرح مشروع الاستفتاء على مستقبل فلسطين، يشارك فيه اليهود الى جانب المسلمين والمسيحيين. ليس مهماً مدى واقعية مثل هذا الحل الذي كان العقيد القذافي قد طرح شبيهاً له، المهم انه يسحب مشروع تحرير القدس بالمقاومة من التداول ويؤكد ان الحل سياسي اساساً.

هذا المسار الذي يجب ان يبدأ بعد التسويات خصوصاً في سوريا، يبدو مطروحاً وراء الأبواب المغلقة. اطلاق الأسد للصاروخين المضادين للطائرات ضد اسرائيل، هو محاولة «اسدية» لضرب «الطاولة» والتذكير بأنه موجود يجب الحديث معه في وقت يعرف فيه قبل غيره ان موسكو تملك القرار في دمشق وأن اي طلب منها مقبول منه مهما كانت كلفته.