ليس أصعب من التوصل الى اتفاق كامل بين أميركا وروسيا سوى الفرض الكامل لأي اتفاق على بقية اللاعبين في سوريا. فما يتحكم بالعمل حتى بين الشريكين الأميركي والروسي هو معادلة الخداع المتبادل والمصالح المشتركة. وما يدفع الطرفين الى تجنّب رفع السقوف في المطالب هو حاجة كل منهما لدور الآخر. موسكو تعرف ان التسوية السياسية التي تقطف بها ثمار الانخراط العسكري المباشر في حرب سوريا تحتاج الى دور أميركي. وواشنطن التي لم تؤمن منذ بداية الحرب بوجود حلّ عسكري تعترف بلسان مدير الاستخبارات المركزية جون برنيان انه لا مجال للتقدم على الجبهة السياسية من دون تعاون روسي فعّال. عنوان اللعبة في ادارة الرئيس باراك أوباما هو استخدام الأوراق من أجل تغيير حسابات الرئيس فلاديمير بوتين ليعمل على تغيير حسابات الرئيس بشار الأسد. والنتيجة العملية ان بوتين هو الذي نجح في تغيير حسابات أوباما وموقفه.
والأنظار الموجهة حالياً الى معركة حلب، مشغولة في الوقت بالمبادرة التي حملها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى موسكو وما خرج به من المحادثات الماراتونية مع بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف. فلا شيء يوحي ان اتفاق كيري – لافروف كامل وجاهز للتنفيذ. لا في موسكو التي يصعب ان تقبل مطالب أميركية معيّنة، ويصعب أكثر ان يسلّم بها الرئيس الأسد والحلفاء الذين يقاتلون الى جانبه تحت مظلّة طهران. ولا في واشنطن نفسها، حيث الاعتراض معلن في البنتاغون والاستخبارات على بنود معيّنة حتى بعدما قال كيري انه عمل بأوامر من أوباما وتعليماته. والأصوات تعلو في الرياض وأنقرة وعواصم أوروبا محذرة من رخاوة أوباما واقترابه الكامل من الموقف الروسي.
واذا كان اللبنانيون قد سلّموا بأن مصير لبنان مرتبط بما تنتهي اليه حرب سوريا، فان بوتين يذهب الى أبعد بكثير عبر القول ان الشرق الأوسط ليس المنطقة الوحيدة التي بات مستقبلها مرهوناً بمصير سوريا. والانطباع السائد ان معركة حلب تقرر مصير سوريا. والسؤال بعدما أكمل النظام وحلفاؤه حصار حلب هو: هل يعيد الحصار فتح الطريق الى التسوية السياسية أم يبقيها مغلقة لاستكمال الخيار العسكري؟ وهل كان الحصار عملاً استباقياً لتجميع أوراق قوة قبل ان تفرض واشنطن وموسكو وقف النار بشكل أكثر جدية أم انه من ترتيبات التفاهم الأميركي – الروسي على خارطة طريق الى التسوية السياسية؟
ليس هناك جواب واحد. فاللعبة معقدة جداً. ومصالح اللاعبين وحساباتهم مختلفة حتى داخل كل تحالف محلّي واقليمي ودولي. لكن من الصعب تخطي اللاعب الروسي الذي يقاتل ويفاوض.