IMLebanon

بعد “الإنجاز الاستراتيجي” الذي حقّقه في القلمون “حزب الله” يحضّر للانتقال إلى ميدان آخر

لم يعد سراً ان “حزب الله” خاض غمار مواجهته الكبرى في جرود القلمون خلال الايام القليلة الماضية، ليس من منطلق حسابات محلية ضيقة تتصل ببقعة جغرافية محدودة تقع على كتف الحدود اللبنانية الشرقية، او فقط من اجل القول انه يحمي ظهر بلدات بقاعية ويبعد الخطر عنها.

فالتمهيد الاعلامي لهذه المنازلة الحاسمة ومجريات المعركة وما اعقب اسبوعها الاول من “احتفالات” باحراز النصر المبين، تجلى اكثر ما يكون في الاطلالة الاعلامية المقررة مساء اليوم لأمينه العام السيد حسن نصرالله، فضلا عن التوقيت، وكلها عناصر تنتظم في سياق واحد عنوانه العريض ان الحزب اخذ على عاتقه مهمة ان يكون القائد الميداني والتعبوي والاعلامي للمحور الذي ينضوي تحت لوائه والممتد من اليمن الى العراق، بلوغا الى الساحة السورية.

واقع الحال هذا لم تعد الرموز القيادية للحزب تحرص على التعتيم عليه بل هي تسارع الى تسليط الضوء الساطع عليه ليعلن صاحب الراية الصفراء انه بات يشكل الرافعة لمحوره في كل مرة يكبو جواد هذا المحور ويوشك ان يؤول الى هزيمة او مازق.

مبتدأ هذا الخبر كان منذ اقدمت وحدات النخبة في الحزب على خوض معركة تحرير القصير في ريف حمص قبل ما يقرب من 3 اعوام وصولا إلى اليوم.

في نطاق هذا الدور الاقليمي الوارف الظل تقدم الحزب ليخوض معركة “تحرير” جرود القلمون، وفي لحظة عسر وحراجة اقليمية مفصلية انبرى نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم ليقول اول من امس بالفم الملآن: “نعم معركة القلمون هي جزء من معركة اليمن والعراق وسوريا ولبنان” ليؤكد استطرادا مدى الترابط الاقليمي.

معركة القلمون هي اذاً المحطة الابرز في هجوم معاكس خاضه محور الممانعة من اجل الحلقة الاضعف فيه وهي سوريا، وقد تجلى ايضا في الزيارة المفاجئة والاولى من نوعها التي قام بها وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج الى طهران، ثم زيارة رئيس لجنة الامن في مجلس الشورى الايراني علاء الدين بوروجردي الى دمشق والكلام القاسي الذي قاله بحق السعودية ثم كلام المرشد الايراني علي خامنئي عن سوريا.

ولأن “حزب الله” تطوع لتأدية هذه المهمة الشاقة في القلمون في لحظة الاحتدام الاقليمي وغداة اكبر حدث اقليمي اي التوقيع النهائي للاتفاق النووي الايراني – الغربي، شاء الحزب ان يقدم اداء عسكريا مميزا في القلمون ربما فاق في تقديرات القيادة الميدانية للحزب ما قدمه سابقا في القصير وسواها من الميادين المشتعلة في الساحة السورية.

لذا لم يكن مفاجئا ان يطل السيد نصرالله ليتحدث باسهاب عن الابعاد الاستراتيجية لانجاز تلة موسى، فهذه القمة الجبلية الشامخة كانت “عقدة” الحزب والنظام في سوريا مدى الاعوام الثلاثة الماضية، لذا فان تحريرها مع ما سبقها من تلال وجرود من المسلحين هو وفق القيادة نفسها ابداع عسكري في النصر المحقق عبر بلوغها بعداً اعمق كونها اتت في”لحظة الحشر” الاقليمي – الدولي، خصوصا ان اللاعبين الاقليميين المتصارعين اي السعودية وايران، وضعا كل اوراقهما في مواجهة اكتست طابعا مصيرياً سيبنى على نتائجها ومآلها الكثير من معالم دورهما المستقبلي.

وبناء على كل هذه المعطيات اراد الحزب بخوضه احدى منازلاته الكبرى في الميدان السوري ان يكرس لنفسه جملة وقائع وصور آنية ومستقبلية ابرزها:

– انه اكثر طرف في كل محوره يتقدم ليخوض غمار معاركه على اساس كل لوحة الدومينو المهتزة في المنطقة، وانه قطب الرحى في محوره الذي يتعين ان تشخص اليه الابصار في المحطات الصعبة سواء في اليمن او في العراق اوسوريا وحتى ايران نفسها.

– على المستوى العسكري شاء الحزب ان يحجز لنفسه موقعا رياديا في معادلات الصراع العسكري على اساس ان ذكر اسمه وحده يجعل خصومه يحسبون الف حساب.

– صارت اطلالات امينه العام السيد نصرالله محطة مفصلية في سياق الحدث، فقبل كلامه انشغال بما يمكن ان يطلق من مواقف، وبعد الاطلالة استغراق في قراءة أبعاد الكلام وما انطوى عليه من رسائل وما بلوره من توجهات. الكل يعي ان كلامه هو الفصل في الساحات الممتدة من باب المندب الى بيروت، وانه مؤهل لقول كلمة السر عن مجرى التطورات في كل هذه الساحات ليصير هو البوصلة التي تحدد اتجاه الريح.

– لم يعد كلامه في اطلالاته خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة مجرد تشخيص او توصيف، بل صار ذا بعد تعبوي لجمهور الساحات كلها، ففي تطورات الميدان السوري له كلام يبدد حالات الاحباط ويستنهض الهمم الخائرة، وفي الشأن اليمني هو من يلبس الحوثي عباءة القيادة ويمتدحه ويحدد الخطوط العامة لما هو مقبول وما هو محرم، وفي العراق يرسم الخطوط الحمر.

وبالاجمال هو الناطق الموثوق به والمنتظر لجمهور محوره والبرهان الحي على ترابط الساحات، وهو التعبير الافصح عن الارتباط بين الحدثين الميداني والسياسي اذ يتحدث قبيل معركة القلمون ثم يبادر الى التحدث بعدها.

ومهما يكن من امر فالحزب يتصرف على اساس ان معركة القلمون التي تحدث عنها طويلا باتت في حكم المنتهية ميدانيا، فهو قدم فيها اداء مميزا انطوى على عناصر عدة جديدة، وبالتالي فالسؤال الذي يتعين طرحه فورا هو: الى اي ميدان سينتقل الحزب واي بقعة جغرافية سيحرر ويحرز نصرا يكون له الدوي والصدى؟

بالطبع الحزب لا يعطي كلمة السر في هذا الشأن، لكن الذي يكشفه هو ان المطلوب دوما تحقيق التقدم لاحراز نصر مؤزر لمحوره في اللحظات الصعبة.