قبل أسابيع أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أنّ النظام المصرفي اللبناني تمرّ عبره عملياتُ تبييض أموال لـ«حزب الله»، فجاء الرد اللبناني عليه من اكثر من جهة، منها مَن هو صديق للمملكة العربية السعودية، بالنفي والتحذير من الانعكاس السلبي على هذا القطاع الذي يشكّل ركيزة الاقتصاد اللبناني، وضمان النقد.
واليوم يستقبل لبنان وفدأ أميركياً رفيعاً، يحمل بيده ملفاً بالارقام يذهب في السياق عينه الذي تكلم فيه الجبير، وقد سُرّبت معلومات عن أنّ الوفد عرض أمام رئيس الجمهورية تفاصيل عن عمليات تبييض الأموال والتحذير من عدم معالجتها.
منذ تصاعد قوانين العقوبات المالية على «حزب الله»، وآخرها القوانين التي صدرت وتضمّنت تشدّداً في ملاحقة هذه الأموال، والوسط السياسي والمصرفي يتخوّف من تبعات هذه العقوبات على النظام المصرفي، ويبدو أنّ الأمور انتقلت من مرحلة المعالجة بالمسكّنات التي اعتمدها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى مواجهة استحقاقات جديدة.
فزيارة الوفد الأميركي لم تكن لتتمّ لو كانت لدى الأميركيين نيّة تجاوز العقوبات وترك المسؤولين اللبنانيين يأخذونها على عاتقهم، وقدوم الوفد الى بيروت يحمل في طيّاته تشدّداً واضحاً، ففي السابق استطاع سلامة من خلال زياراته المتكرّرة للولايات المتحدة الأميركية أن يأخذ فرصة زمنية لتنفيذ الإجراءات على الطريقة اللبنانية، حيث اعتمد مصرفُ لبنان على آلية تقضي بأن يتواصل مع المصارف للتدقيق في كل الحسابات التي يضعها الأميركيون ضمن خانة المساءلة في مهلة ثلاثين يوماً، على أن تأخذ المصارف فيما بعد إجراءاتِها المناسبة، وسُجِّل في تلك الفترة تعرّض أحد المصارف لرسالة تحذير تفجيريّة، ورفع «حزب الله» سقف تحذيره للمصارف الى أعلى درجة، لكن كل ذلك حصل قبل تشديد العقوبات الأميركية التي صدرت عن الكونغرس في ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
في هذا الإطار تعتبر مصادر مطّلعة أنّ ما بعد زيارة الوفد الأميركي لبيروت سيشهد تشدّداً في تطبيق العقوبات، يمكن أن يضع النظام المصرفي والمالي والدولة اللبنانية في موقف صعب. فالتماهي مع العقوبات الأميركية، سيعني حُكماً إقفال حسابات مصرفية تصنّفها الإدارة الأميركية في خانة الحسابات التي تمرّ عبرها أموال «حزب الله»، أما عدم التجاوب فسيعرّض لبنان لخطر الخروج من النظام المصرفي العالمي، مع ما يعني ذلك من نتائج على نظامه المصرفي واقتصاده، ويبدو بالتالي أنّ لبنان عالقٌ بين خيارَين أحلاهما مر، أو بين تهديدَين لكلّ منهما نتائجه السلبية.
وتشير المصادر الى أنّ الموقف الأميركي، وكذلك الموقف السعودي الذي عبّر عنه الجبير، يُفهم منه عملياً أنّ مصطلح الاستقرار الذي تروّج له السلطة اللبنانية وخصوصاً رئاستا الجمهورية والحكومة، غيرُ معترف به دولياً وعربياً، وأنّ التسامح مع عدم تطبيق القرارات الدولية وخرقها، خوفاً من هزّ الاستقرار الأمني والفوضى، لن يتحوّل سياسة دائمة في التعامل مع «حزب الله»، الذي يشارك في الحكومة بغالبية تفوق النصف، والذي يشرف على قراراتها بما يتعلق بالسيادة والحدود والسلاح والعلاقات الخارجية للبنان.
وتضيف المصادر أنّ إشكالية العهد والحكومة في حال فوز «حزب الله» بالأكثرية النيابية، التي ستمكّنه من فرض أجندته بقوة التمثيل الشعبي، بعد أن اعتمد منذ العام 2005 أسلوبَ الفرض بقوة الامر الواقع وموازين القوى، فهذه الأكثرية النيابية المتوقعة، ستزيد من عزل لبنان عربياً ودولياً، وستضع القوى السياسية التي تتساكن مع الحزب في مأزق إضافي، فضلاً عن تلك التي تغطّي مشروع الحزب، ولا تنفصل مهمة الوفد الأميركي بدلالاتها عن هذا السياق، في اعتبارها إعلان نزع غطاء دولي عن تحالف السلطة الذي يحتلّ فيه «حزب الله» موقع التأثير الأول.