بعيداً عن أحجية الأرقام والغرق في مستنقع تفاصيلها، المؤكد أن أعداداً مهمة من مقاتلي «حزب الله» قد عادوا من سوريا إلى لبنان، خصوصاً من ينتمون إلى «خزان المقاومة» في البقاع الشمالي، أي بين بعلبك والهرمل. المقاهي والساحات التي اعتادت عليهم وهم يقطعون الوقت ويقطعهم، تشهد وتؤكد ذلك.
العديد منهم قاتَل متنقلاً بين القلمون حيث الحرارة في الشتاء أقل من عشرة تحت الصفر، وصحراء تدمر حيث في النهار حريق وفي الليل غريق وجليد. في الواقع يعترف هؤلاء المقاتلون الذين بدأوا في الحراسات وتدربوا وصمدوا طوال سنوات ليصبحوا مقاتلين محترفين، أنه لم يكن ينقصهم أي شيء، كانت القيادة تهتم بكل شاردة وواردة من الرواتب في موعدها إلى الطعام والرعاية الصحية خصوصاً من يُصاب منهم أثناء الخدمة. أما لماذا عادوا فلأنهم كما لقّنتهم القيادة أنجزوا مهمتهم سواء في حماية مقام السيدة زينب، وحالوا بأجسادهم ودمائهم دون «أن تُسبى مرتين»، أو لأنهم نجحوا في «تثبيت بشار الأسد رئيساً إلى الأبد».. وأن هذه المهمة كانت لإنقاذ سوريا «حصن المقاومة» من أيدي من هم ضد المقاومة ويريدون محاصرتها والقضاء عليها.. بهذا لا يعود مهماً ما بلغته أعداد القتلى (الشهداء) والجرحى والمعاقين وهم بالتأكيد عدة آلاف. الأهم أن الشباب حققوا «الانتصار الكبير».
عندما يعود المنتصرون، جرت العادة تاريخياً أن يجد هؤلاء الشباب وكلهم تحت الأربعين من عمرهم أي في عز قوتهم وطاقتهم، الرعاية والاهتمام وفرصاً واسعة وواعدة من فرص العمل تجعلهم مطمئنين لمستقبلهم ومستقبل عائلاتهم وأولادهم وأشقائهم. لكن ما حصل ويحصل وكما يبدو سيحصل سيرجعون إلى البطالة وينضمون إلى الآلاف المؤلفة من جيوش الساحات العامة التي تشبه كثيراً في سلوكها وآمالها جيوش «الحائطيين»، كما يوصف هؤلاء الشباب في الجزائر لأنهم يقفون وظهورهم إلى «حيطان» المباني.
المشكلة الأساسية أنه لم يتم الاستعداد لمواجهة هذا الوضع الذي قام ويقوم على تنفيذ سياسة متعمدة عمادها الإهمال في كل شيء، من البنى التحتية إلى المدارس وفتح مجالات جديدة للعمل، عبر رسم وتخطيط مشاريع تنموية ضخمة أو حتى متواضعة تحمي هؤلاء الشباب، بهذا يبقون غب الطلب.. وحتى لا تتم تغطية هذا العجز عن التنمية بوجود كل الشروط الكافية له منذ أيام القيادات الشيعية العائلية والعشائرية، يجوز التذكير بأن الجسم الشيعي الشعبي والسياسي كان محكوماً وليس شريكاً في السلطة ولم يكن مهماً ماذا يمكن أن يقدم من تنمية للجنوب والبقاع على السواء! أما الآن فما هو العذر في زمن صعود الثنائية الشيعية وتحكّمها؟ علماً أن الرئيس نبيه بري قدّم للجنوب ما يزيد عن حاجته، أما البقاع فقد ضاعت حقوقه في رواية الأساطير عن رجولة رجاله ولم يتحدث أحد عن حاجة هذه الرجولة إلى أرض مُنتجة يقفون عليها وهم مطمئنون لغدهم.
كيف سيُعيل هؤلاء الشباب عائلاتهم بعد أن نزلت رواتبهم إلى النصف وأقلّ منه؟ في زمن الفساد يصبح كل شيء جائزاً وممكناً. التلويح بألف دولار وأكثر يزيل كل الحواجز أمام السقوط إلى الهاوية خصوصاً في زمن الكبتاغون وأخواته. المشكلة الأكبر أن أعداد العائدين إلى تزايد في المرحلة القادمة المنظورة. يقول السيد حسن نصرالله «لو اجتمع العالم كله على أن يخرجنا من سوريا لن يستطيع أن يُخرجنا». خروج المقاتلين من سوريا لا يحتاج اجتماع العالم، ما يجري حالياً وتؤكده التطورات الميدانية هو أنه حيث يصل الروس، وتحديداً الشرطة العسكرية منهم، يخرج الجميع. أهل البقاع الشمالي يعرفون أكثر من غيرهم يوميات حلول الروس مكان الجميع، وكيف اضطر بعض مقاتلي الحزب الذين تتطلب الحاجات الميدانية وجودهم، إلى ارتداء بزات الجيش السوري. «القيصر» يأمر والجميع ينفذون.. حتى المرشد الإيراني خامنئي لا يمكنه مخالفة بوتين لأنه لا يتحمل الدخول في مواجهة مع دونالد ترامب وفي الوقت نفسه مع بوتين، واستكمالاً لذلك لا يمكن ولا يحق للسيد حسن نصرالله الرفض أو الاختلاف مع المرشد خامنئي.
يُقال في الحسابات الأولية والمبدئية: «واحد زائد واحد يساوي إثنين». بناء على ذلك، أول خطوة في ضرب الفساد والاستعداد للبناء يجب أن تكون بتنظيف البيت الداخلي. فهل بدأ العمل بهذه القاعدة؟ لا يؤشر الواقع إلى ذلك.. لذلك لا يبدو كما يقول المثل الشعبي إن الشباب العائدين «سيأكلون القمح»!