IMLebanon

ما بعدَ «اليوم الداعشي» ليس كما قبله

يقول سياسيّون إنّ ما بعدَ «اليوم الداعشي» الطويل أمس ليس كما قبله، لأنّ ما تخَلّله من هجماتٍ إرهابية توزّعَت بين الكويت وتونس وفرنسا، دلَّ على توَسُّعِ «المدى الأممي» لـ«داعش» أبو بكر البغدادي في مواجهةِ تنظيم «القاعدة» بزعامةِ أيمن الظواهري، أو في مواجهة الغرب.

فقبلَ هذه الهجمات، كانت الخضّات التي أحدثَتها الهجمات الداعشية قبلَ بضعةِ أشهرعلى شارلي إيبدو في فرنسا، ومتحف باردو في تونس والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، ودلَّ مجمل هذه الهجمات إلى أنّ «داعش» على رغمِ تحالفه مع بعض الدوَل والجهات المؤثرة بدأ تجاوُزَ الخطوط الحمر غيرِ المسموح له تجاوزُها، على الأقل لدى القوى التي تؤثّر عليه.

ويقول سياسيّون إنّ الهجوم الانتحاريّ على المسجد الشيعي في الكويت تحديداً شكّلَ «نقلةً نوعية» في تجاوُز «داعش» الخطوط الحمر، لأنّ الكويت كانت ساحةَ تعايُش مستقرّة بين الشيعة والسُنّة، وضمنَها ساحة تطرّف سَلفي ساهمَ في مرحلة ما في ضربِ الأمن السوري عبر قوى سَلفية حيّة في المجتمع وفي مجلس الأمّة الكويتي، فضلاً عن أنّ أمنَ الكويت محميّ أميركيّاً بوجود عشرة آلاف جندي أميركي على أراضيها، تماماً مثلما أمن قطر محميٌّ بوجود قاعدة العديد الأميركية على الأراضي القطَرية.

ويرى هؤلاء السياسيّون أنّ الهجوم على المسجد الشيعي في العاصمة الكويتية وما سقطَ فيه من شهداء في صفوف المصَلّين كان استهدافاً لأمنِ الدولة الكويتية واستقرارها، ما سيفرضُ على السلطات الكويتية للمرّة الأولى أن تتصدّى للقوى السَلفية الكويتية التي تَلوذ بـ»داعش» ومِن رموزه الشيخ شافي العجمي، والنائب السابق وليد الطبطبائي الذي دعا في تغريدة له على «تويتر» قبل أيام السلطات الكويتية إلى فتح سفارة لشباب داعش في العاصمة الكويت.

وإذ يشيدُ هؤلاء السياسيون بمسارعة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى زيارة المسجد الذي استهدفَه التفجير الإرهابي، فإنّهم يتخوّفون من أن يكون هذا التفجير قد وضَع البلاد الكويتية المحميَّ استقرارُها أميركياً أمام مفترَقِ حربٍ أهلية، لأنّ ما حصَل يطرح سؤالاً كبيراً هو: هل بدأت تَسقط الخطوط الحمر في نوعٍ كهذا من الدوَل المحميّ أمنُها أميركياً؟

وفي اعتقاد السياسيين إياهم أنّ ما يجري على ساحات المنطقة مِن مواجهات هنا وهناك وهنالك يؤمّن بنحوٍ أو بآخر ممرّات لـ»داعش» يتحرّك من خلالها لتنفيذ هذا النوع من الهجمات الإرهابية، ولكن أن يضربَ في الكويت بعد المنطقة الشرقية السعودية فذلك يَعني أنّه بدأ يستهدف عمقَ الخليج الذي يُفترَض أنّ أمنَه تحميه الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها.

ولذلك فإنّ ما حصَل في الكويت، وكذلك في تونس وباريس سيُحرّك المجتمعَ الدولي في اتّجاه تصعيد الحملة للقضاء على «داعش» الذي تجاوزَ الخطوط الحمر وبدأ يستهدف مصالح مَن سكتَ عنه أو دعَمه واستخدمه خدمةً لمصالحه في ساحات كثيرة، عِلماً أنّ اليوم الداعشي الطويل أمس لم يَسلم منه النظام السوري والأكراد في الحَسكة، في وقتٍ يبدو أنّ تركيا تقف على أبواب مواجهة مع الأكراد بعد إمرارها القوى الداعشية مجدّداً مِن أراضيها إلى مدينة كوباني الكردية لترتكبَ فيها مجازر جديدة، ما اضطرّها أمامَ هولِ الهجمات التى شنَّها داعش أمس إلى نفيِ هذا «الإمرار» الذي ثبَّتَ للقاصي والداني أنّه حصَل مِن معبر بينار على الحدود التركية ـ السورية.

ولا يَستبعد هذا الفريق مِن السياسيين المتابعين لمسار الأوضاع في المنطقة أن تتعاظمَ الهجَمات والمواجهات خلال الأيام المقبلة مع اقترابِ موعدِ إعلان «الاتّفاق النهائي» على الملف النوَوي الإيراني بين الدوَل الغربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية نهاية حزيران الجاري، على رغمِ ما يترَدّد عن احتمالِ تمديد المفاوضات الجارية في جنيف حتى منتصف تمّوز المقبل.

وبين هؤلاء السياسيين مَن يعتقد أنّ الاتفاق بين إيران والدوَل الغربية سيتجاوز الملفّ النووي ورفعَ العقوبات الدولية عن طهران إلى اتّفاق على خريطة نفوذ جديدة في المنطقة تتقاسمُها القوى الإقليمية والدولية، وهذا ما يدفعُ البعض إلى التفاؤل بأن يؤدّي الاتفاق النوَوي إلى تعاون بين أطرافه على معالجة الأزمات المتفجّرة في المنطقة، ولذلك فإنّهم يعتقدون أنّ تصاعدَ المواجهات في الدوَل المأزومة من سوريا إلى العراق فاليَمن وغيرها يشيرُ إلى أنّ القوى المتقاتلة تريد تحقيقَ إنجازات عسكرية في الميادين بما يعزّز لها موقفَها في المفاوضات التي ستحصَل، ربّما بعد الاتفاق النوَوي، لإيجاد حلول لكلّ الأزمات الإقليمية.