IMLebanon

ما بعد فشل الانقلاب التركي

كثيرة هي علامات الاستفهام التي رُفعت حول مرحلة ما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا. ولكن هناك علامتيْ استفهام كبيرتين لا تزالان من دون جواب. علامة الاستفهام الأولى تتعلق بمستقبل عضوية تركيا بحلف شمال الأطلسي الناتو -. والثانية بمستقبل علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي.

ينطلق طرح موضوع مستقبل علاقة تركيا بالناتو من التوتر الذي طرأ على العلاقة التركية الأميركية، مؤسِسة الحلف والدولة الراعية له. فالسلطات التركية تعمدت خلال محاولة الانقلاب قطع التيار الكهربائي عن قاعدة «انجرليك» الجوية التي تتجمع فيها القوات الجوية الأميركية. كما اعتقل القائد التركي للقاعدة بتهمة التواطؤ مع الانقلابيين بعد أن تبين ان عدداً من الطائرات انطلقت من القاعدة ذاتها لقصف البرلمان التركي في أنقرة، اضافة الى عدد آخر من المؤسسات الحكومية. وعلى خلفية هذه الأحداث اتهم أحد الوزراء المقربين من الرئيس أردوغان، وهو سليمان سويلو، الولايات المتحدة بالاسم بأنها وراء محاولة الانقلاب، الأمر الذي أثار رد فعل حاد معاكس من وزير الخارجية الأميركي جون كيري. ولقد ذهبت الصحيفة الناطقة بلسان حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه أردوغان وهي صحيفة «ياني شفق«، الى حد اتهام عناصر من القوات الأميركية بالمشاركة في العملية الانقلابية.

وبانتظار القرار الأميركي من الطلب التركي بتسليم فتح الله غولن المتهم بأنه رأس المحاولة الانقلابية رغم نفيه واعلانه معارضة الانقلاب- تبقى العلاقات التركية الأميركية على كفّ عفريت.. ويبقى معها مستقبل عضوية تركيا في الحلف الأطلسي معلقاً. ذلك ان من شروط العضوية في الحلف وفق اتفاقية انشائه في عام 1949، « أن تكون الدولة العضو متمتعة بنظام ديمقراطي ثابت ، وأن تنهج سياسة سلمية في معالجة الخلافات الحدودية مع الخارج، والخلافات الثانية في الداخل، وأن تقيم علاقات جيدة مع جيرانها، وأن تلتزم بحكم القانون، وأن تحترم حقوق الانسان، وأن تكون لها سيطرة ديمقراطية ومدنية على قواتها المسلحة «. وكل هذه المبادئ هي موضع تساؤل اليوم في الواقع التركي الذي انبثق عن محاولة الانقلاب.

ويطرح هذا الواقع تساؤلات في كل من الولايات المتحدة وأوروبا بشأن ما إذا كانت تركيا لا تزال تتمتع بمواصفات عضو حلف الأطلسي؟ ولو لم تكن تركيا عضواً في الحلف، وأرادت ان تقدم الآن طلب عضوية، فهل يُقبل طلبها؟. غير ان ثمة اسئلة اشد احراجاً للحلف وليس لتركيا. وفي مقدمة هذه الأسئلة، كيف يكون حلف الأطلسي من دون تركيا التي تقدم للحلف ثاني أكبر قوة عسكرية بعد الولايات المتحدة.. والتي تشكل الخط الأمامي للحلف في مواجهة التوتر المتصاعد مع الاتحاد الروسي من جهة وفي مواجهة الفوضى المتزايدة في الشرق الأوسط من جهة ثانية؟

اما عن مستقبل العلاقة مع الاتحاد الأوروبي فانه كان موضع تساؤل حتى قبل محاولة الانقلاب الفاشلة. فالرئيس التركي أعلن عزمه اجراء استفتاء عام لتقرير ما اذا كان من مصلحة تركيا أن تواصل قرع بوابة طلب العضوية في الاتحاد من دون أن تلقى أي رد إيجابي. ولعل الأهم من موضوع الانتظار الممل، أو المذلّ، هو التبرير الذي أعلنه أردوغان لعدم وصول الرد الإيجابي بعد سنوات من الانتظار. فقد قال بالفم الملآن «ان أوروبا لا تتحمل عضوية دولة من سبعين مليون مسلم «!!.

ولكن مع ذلك، فان الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول في العالم لتركيا. وتركيا هي الممر الآمن حتى الآن على الأقل- لأنابيب النفط والغاز الممتدة من روسيا وآسيا الوسطى الى أوروبا. ولعل أشد ما يقلق الاتحاد الأوروبي اليوم هو ان تفتح تركيا حدودها مرة جديدة أمام المهجرين السوريين وغيرهم- للتدفق الى دول الاتحاد عبر البوابة اليونانية.

فاذا قررت تركيا تعديل قانون العقوبات لإعادة العمل بعقوبة الاعدام من جديد، فان هذا القرار يشكل خروجاً على أحد المبادئ التي يقوم عليها مبدأ الشراكة مع الاتحاد. ان تنفيذ أحكام الاعدام التي هدد الرئيس أردوغان بها بحق الانقلابيين تنتهك مبدأ الشراكة مع أوروبا. فهل من مصلحة تركيا أن تفعل ذلك.. وهل باستطاعة أوروبا أن تتحمل مضاعفات ذلك أيضاً؟.

ولعل الأسئلة الاشد قلقاً والاشد غموضاً هي :

اذا خرجت تركيا من الناتو وأدارت ظهرها للاتحاد الأوروبي، هل تنفجر العلاقات التركية اليونانية مجددا؟ وهل تكون قبرص فتيل هذا الانفجار، بعد أن أصبح الحل التوافقي بين جزئي الجزيرة قاب قوسين أو أدنى؟..

كم هو سعيد ومحظوظ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين!!