من السذاجة القول إنّ العقوبات التي فرضها الاميركيون على رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل خطوة تقتصر على شخصه على خلفية ملفات تتعلق بالفساد بمعزل عن أبعادها والسياق المتدرج للتطورات منذ اشهر لا بل سنوات خلت وصولاً الى اليوم. للقصة أبعاد مختلفة عن نظرة البعض الضيقة وتصفية الحسابات الشخصية مع باسيل، تتصل بعودة اميركية، يبدو انها بوشرت بالفعل، الى الساحة اللبنانية في الوقت المستقطع من التسليم والتسلم بين رئيس الولايات المتحدة الراهن دونالد ترامب والمنتخب جو بايدن.
تتهم شخصيات من “8 آذار” الادارة الاميركية بأنها “باشرت بالإعداد لاستكمال مسارها في لبنان من خلال تحركات معينة لن يكون الشارع بعيداً عنها تحت عناوين الفساد وهي رصدت مبالغ لمؤسسات معنية بصناعة الرأي العام لتحقيق هدفها”. أضافت: “يريد الاميركيون الانقلاب على الوضع الراهن في لبنان وهناك ناشطون يعملون على ملفات عدد من الشخصيات اللبنانية للدفع باتجاه فرض عقوبات بحقها. وكان لافتاً حجم الاتصالات التي تلقتها السفيرة الاميركية دورثي شيا من شخصيات لبنانية لتهنئتها على ردها على المؤتمر الصحافي لباسيل الذي لا يقرأ بين سطوره سوى تأكيد على المسعى الاميركي الهادف لفصل التيار الوطني الحر عن “حزب الله”.
في تحليلها للعقوبات على باسيل تتحدث مصادر معنية بتحالف “حزب الله” – التيار عن وجهين للعقوبات: استراتيجي وتكتيكي.
في البعد الاستراتيجي خلق التحالف توازناً داخلياً ومنع بشكل او بآخر الجنوح الى عنف كان يمكن ان ينشأ في اي لحظة نتيجة الاحتقانات السياسية وهذا امر أزعج الادارة الاميركية التي تقرأ الواقع اللبناني بعيون اسرائيلية. فالاستقرار في لبنان هو النقيض لسياسة تل ابيب القائمة على ابقاء التوترات على قاعدة مذهبية تدرجاً الى انفجار كبير يبدل موازين ويؤدي الى اقرار معادلات جديدة.
وفي هذا السياق، تعتبر المصادر أن “محاولة استغلال كلام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي حول الحياد والتي صوبت باتجاه “حزب الله”، تدفع البعض إلى محاولة بناء تحالف سياسي “سني – مسيحي” في مواجهة القوى السياسية الشيعية، وهو ما قد يؤدي الى صدام تحت عناوين شتى من سيادية وتحييد ورفض هيمنة السلاح. في هذا الوقت كانت المساعي الاميركية تنشط في سبيل تحقيق ترسيم للحدود وفق الاملاءات الاسرائيلية، وتوطين الفلسطينيين، وتثبيت النازحين السوريين في لبنان. ضمن سياق سيناريو سيؤدي حكماً وعلى المدى المتوسط الى هجرة كثيفة للمسيحيين من لبنان”.
تعتبر المصادر ان “تحالف باسيل – “حزب الله” هو الذي يعوق تنفيذ هذه الخطة وبالتالي يتوجب ازاحته من المشهد السياسي، لكن بعض المراقبين يجدون ان الامر على ايلامه لباسيل واستهدافه المبطن لرئيس الجمهورية وارباكه للتيار الوطني سيؤدي الى موجة تعاطف معه والى مزيد من التلاحم بين “حزب الله” والتيار، لن تكون “حركة امل” بعيدة عنه ولو لم يكن يوجد “حيط عمار” لها مع باسيل. وهذا ما احرج ايضاً خصوم باسيل على الساحة المسيحية بدليل الحرص على عدم التعليق على هذا الموضوع سلباً او ايجاباً من قبل هؤلاء. واللافت هنا ان البطريرك الراعي لا يزال حتى الساعة يلوذ بصمت مطبق حيال العقوبات التي طاولت نائباً ووزيراً سابقاً ورئيس تكتل نيابي مسيحي في المجلس النيابي”، متسائلة: “هل السبب يعود الى موقف للراعي من رئيس الجمهورية وباسيل أو انه يتريث لأسباب تتصل بموقع البطريركية المارونية الواقعة في خضم التجاذبات داخل الطائفة”.
اما لناحية التكتيك فقد ارادت اميركا بلجوئها الى فرض عقوبات بناء على قانون “ماغنيتسكي” تجنب وضع العقوبات في خانة السياسة بادعاء تأييده لـ”حزب الله” ونشاطاته بل شاءت ان تشيطنه وتظهره كفاسد يستحق العقوبات، فكان هذا القرار الذي يفتقر الى الحيثيات المقنعة والتي ينبغي ان تكون مكشوفة امام الجميع وهو أمر لم يحصل حتى الآن. يعرف “حزب الله” كما التيار الوطني أن هناك مخاضاً عسيراً ستشهده البلاد في الفترة الفاصلة ما بين ولايتين ستكون له انعكاساته على الداخل ربطاً بتشكيل الحكومة ما يولد ازمة قد تمتد الى ما بعد هذه المرحلة بحيث يهدد استحقاق الانتخابات النيابية او الرئاسية، وقد لا يكون الوضع الامني بمنأى عنها. وطالما أن لا شيء سيظهر في الافق قبل العشرين من كانون الثاني العام المقبل اي موعد تسلم جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الاميركية، فإن الخوف وحتى هذا التاريخ ان يقدم الرئيس الحالي دونالد ترامب على خطوات غير محسوبة العواقب لن يكون لبنان بمعزل عنها.