أكثرَ من أيّ يوم مضى، كرة النار الرئاسية مرميّة في ملعب العماد ميشال عون. ولكن، «حزب الله» هو الذي سمح بوصولها إلى هذا الملعب. ففي هذه الوضعية، هو قادر على التحكُّم بها، وفق مصلحته، فيسحبها أو يطفئها… أو يقنع عون بقبولها على علاّتها!
في الواجهة، الجميع يتحركون لدى عون طالبين منه أن «يتلَحْلَح» ويوافق على إنتخاب رئيس- تسوية. ويطرح الدكتور سمير جعجع مبادرات متتالية في هذا الإطار، ساعياً أيضاً إلى الرئيس- التسوية، بعد إقتناع الجميع بأن لا مجال لوصول «مرشَّح التحدّي». لكنّ الرئيس- التسوية الذي قد ينتجه الحوار بين السنّة والشيعة، يختلف تماماً عن ذلك الذي ينتجه التفاهم المسيحي- المسيحي.
فالتسمية فقط هي المشترَكة، لكنّ التسويات تأتي دائماً لمصلحة الأطراف التي تبرمها. وفي إستطاعة عون وجعجع إذا إلتقيا قريباً جداً، وفق ما توقّع الوزير السابق وديع الخازن، أن يتفاهما سريعاً على رئيس- تسوية، وأن يحظى بمباركة مسيحية شاملة في الأيام الباقية من العام الجاري. ولن يستطيع أيّ طرف لبناني رفضَ الرئيس الذي يتوافق عليه المسيحيون بغالبيتهم الساحقة.
عندئذٍ، سيذهب الجميع إلى المجلس لإنتخاب الرئيس- التسوية بين المسيحيين، والذي ستكون مواصفاته- تلقائياً- تسووية على المستوى الوطني. ففي الوسط المسيحي تنوُّع سياسي يفتقده الآخرون. ولا يمكن أن يأتي الرئيس- التسوية بين المسيحيين إلّا تسوية بين «8 و14 آذار»، وفي صراحة أكبر، بين السنّة والشيعة.
إذا بدأ عون وجعجع بالتفاهم على التسوية، فالباقي سيكون محلولاً. وتالياً، هما سينزعان البند الأول من حوار السنّة والشيعة، أي بند الإستحقاق الرئاسي، ليتفرّغ هؤلاء لبنود أخرى… إذا وُجِدت!
فـ«حزب الله» لن يحاور لا في سلاحه ولا قتاله في سوريا ولا «إعلان بعبدا». أما «المستقبل» فأوساطه تتساءل: علامَ إذاً نتحاور؟ ثم يستدرك الجميع ليقولوا: بند الرئاسة أولاً!
فإذا إتفق المسيحيون على الرئيس- التسوية، يكاد ينتفي مبرِّر الحوار السنّي- الشيعي المنتظر، والمتأخر يوماً بعد يوم. والأرجح أنّ «المستقبل» و«حزب الله» يصبحان أمام خيارَين: إما إلغاؤه لإنتفاء البنود «المسموحة مناقشتها»، وإما إنعقاده فقط للحفاظ على الصورة، أي لتأكيد أن لا فتنة سنّية- شيعية في لبنان.
وفي تعبيرٍ آخر، إنّ توافقاً بين عون وجعجع على رئيس- تسوية، بمباركة مسيحية شاملة، من شأنه أن يفرض رئيساً قوياً. والقوة تكون بحصوله على الغطاء التمثيلي المسيحي. وهذا الخيار يعطِّل تلقائياً شكوى المسيحيين وقادتهم من فرض رؤساء ضعفاء للجمهورية.
إذا كان هذا المنطق صحيحاً، فليس أمام عون وجعجع سوى إعتماده. والواضح أنّ جعجع قام بالخطوة المطلوبة منه، بإعلانه الإستعداد للقاء عون والإتفاق على الرئيس- التسوية. لكنّ عون، الذي قال «أهلاً بجعجع في الرابية»، لم يغيِّر شيئاً في موقفه الرافض للتسوية.
ولذلك، ربما يكون عون قد أبدى ليونة في اللياقات الإجتماعية لا في جوهر الأزمة السياسية. وهذا ما يجعل الملف الرئاسي بنداً أول على جدول الأعمال السنّي- الشيعي.
ويصرُّ «الجنرال» على طروحات جذرية قد تعيد للمسيحيين بعضاً من التوازن المفقود مع الشركاء. فهو يطرح «قانون اللقاء الأرثوذكسي»، داعياً إلى تفسير المادة 24 حول المناصفة. كما يطرح إنتخاب رئيس من الشعب مباشرة. وهذان الطرحان قد يكونان منطلقاً لنقاش عميق في مجمل المعادلة السياسية والطائفية والمذهبية القائمة.
لكنّ عون يدرك أنّ أيّاً من القوى الكبرى لا تجاريه في طروحاته، وفي الطليعة «حزب الله». ولذلك، هو يدرك أنّ طروحاته الطموحة جداً لن تؤدي إلى إستعادة الدور المسيحي، بل إلى فراغ رئاسي لا ينتهي… إلّا عندما يرى «حزب الله» أنّ الساعة قد آنت لإنتخاب رئيس.
عند هذه الساعة، سيجد عون نفسه أمام مواجهة مع «حزب الله» شبيهة بتلك التي جرت في التمديدَين الأول والثاني، أو تلك التي جرت في الدوحة، حين قال له «الحزب»: خيرها بغيرها يا جنرال»!