منذ توقيف «الحزام الناسف والسوريون المسلحون» برفقة الشيخ بسام الغالي، بدا أنّ ملف العسكريين الرهائن إلى تدهور جديد، واقلّ ما يُقال فيه أنّه بات على الحكومة اللبنانية أن تُخرِجَ إلى العلن حقيقة المواقف المتضاربة في داخلها، فالأهالي يطالبون بالمقايضة، وأطراف سياسية على رأسها وليد جنبلاط تطالب أيضاً بالمقايضة،وليس سرّاً من هي الجهات المعرقلة لهذا الملفّ وطيّه وترك جلجلة الأهالي والجنود الرهائن طويلة ممتدة على مدى شهور خمسة، هذا الملفّ آن وقت فرده أمام الشعب اللبناني وليقرّر الرأي العام الحقيقة «المقزّزة» في هذا الملفّ اللا إنساني إلى أقصى الحدود!!
ثمة كلام شديد الخطورة خرج إلى العلن بالأمس، نقله الجندي الأسير خالد مقبل ونسبه إلى جهة رسمية قالت للجهة الخاطفة:»إذا أردتم أن تقتلوا العسكريين اقتلوهم، ففي أكثر الأحيان سنعلق صوراً للشهداء»، لم تعلّق أي جهة رسميّة على هذا الكلام ـ وهذا أمر مؤسف ـ يؤكد أنّ الحكومة في غيبوبة عن هذا الملفّ، وعادت جبهة النصرة لابتزاز الأهالي المتروكين تحت رحمة الإرهاب يبتزهم ويبتز لبنان بهم، مع مطلب الجهة الخاطفة قطع الطرقات والضغط على الحكومة»،وأشعل الأهالي الدواليب عند مدخل السراي الحكومي، لينتهي النهار على مفاجأة جديدة.
تكدّر خاطر هيئة العلماء ـ المتورطة بشكلٍ أو بآخر في ملفّ العسكريين الرهائن ـ وامتعضت من تفويض «أصدقائها» في جبهة النصرة للشيخ وسام المصري واعتبرته «مؤشراً غير ايجابي تجاه هيئة العلماء المسلمين فهو ينتمي إلى اللقاء السلفي الذي وقع على ورقة تفاهم مع حزب الله»، وهنا لا بُدّ من طرح السؤال: لماذا تمتعض هذه الهيئة إذا كانت اختارت النصرة شيخاً مفاوضاً من غير الهيئة، ولماذا ضغطت الهيئة مع استشهاد الجندي علي البزال لاستلام ملف الرهائن، وطالبت بتفويضها هذا الملفّ، ولماذا استاءت من تفويض شيخ مقرّب من حزب الله على حدّ قولها، هل نحن أمام صراع مشايخ وعمائم ومتطرفين، فيما الضحايا من الجنود وأهليهم يموتون «مئة موتة في اليوم الواحد»؟!
وتأتي الحلقة المفقودة في التطور التفاوضي الدّاهم على ملف العسكريين الرهائن، ومع حديث الشيخ وسام المصري عن تلقّيه تعهّداً من «النصرة» بعدم التعرّض للعسكريين الأسرى لأي أذى، وأكّد أنه حصل على الموافقة من «النصرة» و»الدولة» [داعش] للدخول وسيطاً في المفاوضات، وأنّه سلّم بيان التفويض للحكومة اللبنانية عبر الأجهزة الأمنية، وهو ينتظر منها الإذن الخطي للصعود إلى الجرود لمقابلة الخاطفين، فكيف نفسّر إذن التهديد بقتل جندي جديد خلال 24 ساعة، في الوقت الذي يضغط فيه الشيخ المصري للحصول على تفويض من الحكومة خلال 24 ساعة وإلا اعتذر؟!
وإضافة إلى هذا الغموض الكثيف الذي يكتنف ملفّ الجنود الرهائن، والذي يذكرّنا بتكرار الوزير زياد بارود لازمة اعتماد السريّة في ملفّ المخطوف الرهينة المواطن جوزف صادر «حرصاً على سلامته» التي مضت عليها سنوات، ثمّة سؤال لا بدّ من طرحه وبفجاجة شديدة وهو احتمال قائم ووارد في كلّ لحظة ـ خصوصاً وأن الإرهاب لا عهود ولا مواثيق له ـ ماذا لو فشل الوسيط في مهمته التفاوضيّة وقتل الإرهاب المزيد من الرهائن، ألن تنفجر هذه القنبلة في وجه الحكومة، فكيف تتحمّل الدولة مسؤوليّة بهذا الحجم وتعلّقها على شخص، خصوصاً وانّ هذا النوع من التفاوض يحتاج إلى متخصصين وأصحاب خبرات في التعاطي مع المجموعات الإرهابية، وفوق هذا وذاك لماذا تلتزم المؤسسة العسكرية الصمت أمام هذا العبث بحياة العسكريين الرهائن؟ وهل تنبّهت القيادة إلى أنّ «تقاعسها» عن الأخذ بملفّ العسكريين بحزم شديد، سيجعل الكثير من الشباب اللبناني يفكّر مئة مرّة في الانخراط في مؤسسة لم تستطع أن تنقذ جنودها من قبضة الإرهاب، وهل حماية الجيش لأبنائه تحتاج أيضاً إلى «غطاء سياسي»؟!