IMLebanon

في مواجهة «الإنقلاب»

أكدت طاولة الحوار التي انعقدت أمس المؤكَد، فالحوار الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في الشكل والمضمون كان للمرة الثالثة ترجمة للتعطيل المقصود الذي مارسته قوى 8 آذار بالتكافل والتضامن، لاتفاق الطائف الذي قيل منذ لحظة خروج الجيش السوري من لبنان إنه لم يعد صالحاً، فتمّ الانقلاب عليه لتجميده أوّلاً بحكومات «الثلث المعطل»، وبالاستقالة من الحكومة وإسقاطها، وبتعطيل نتائج الانتخابات النيابية وإفراغها من مضمونها، في العامين 2005 و2009، وفي التمديد بالتالي لمجلس الـ2009، على أمل أن يكون المجلس الأخير في جمهورية الطائف.

لا تخطئ قوى 14 آذار في وصف ما جرى امس على طاولة الحوار، بأنه «محاولة لتمرير انقلاب»، ولقد كانت مداخلة النائب ميشال عون الأوضح، حيث دعا الى انتخابات نيابية، وانتخاب الرئيس من الشعب، بما يعني تجاهل الاستحقاق الرئاسي، وتجاهل الدستور الذي ينصّ على انتخاب الرئيس في مجلس النواب، وهذا يمثل بداية المؤتمر التأسيسي الذي يطمح عون وشريكه حزب الله، الى فرضه، في لحظة إقليمية تسبق تطبيق التفاهم الاميركي ـ الايراني، وتستبق النتائج الكارثية لقتال حزب الله في سوريا، الذي يأمل بتثميره لبنانياً بقلب موازين القوى لمصلحته في الرئاسة والجيش، وفي محاولة تغيير الدستور في اتجاه المثالثة.

وأمام هذه المحاولة الانقلابية الواضحة، التي تحاول التلطي بالحراك الشعبي المدني، واستعمال طاولة الحوار وسيلة للابتزاز، تداعت قوى 14 آذار قبل جلسة الامس الى لقاءات بعيدة من الاضواء، شدّد فيها الجميع على مواجهة بذور الانقلاب، بالتمسك بمطلب انتخاب الرئيس على طاولة الحوار قبل الانتقال الى أيّ بحثٍ آخر، وهذا ما حصل في الجلسة الاولى حيث اصرّ أفرقاء 14 آذار على هذا المطلب، وهو ما أدّى عملياً الى الاصطدام مع عون، الذي جاء بطروحات تنمّ عن رغبة في تعديل اتفاق الطائف، وعن اصرارٍ على الاستمرار بتعطيل جلسات الحكومة حتى تحقيق مطالبه العائلية والرئاسية.

في تقويم سريع لأحد أقطاب 14 آذار حول جلسة امس، يمكن الكلام عن موقف متماسك لهذه القوى، وعن وعي لمخاطر المرحلة، التي يسعى حزب الله لاستباقها بتغيير المعادلة الداخلية، لمصلحته.

فهذه المحاولة يشبّهها هذا القطب بمحاولات عدة قام بها زعماء مسيحيون ومسلمون، لاقتناص فرصة تعديل موازين القوى لمصلحتهم ومصلحة طوائفهم، وكلها باءت بالفشل، علماً أنّ مَن قاموا بتلك المحاولات لم يكونوا اضعف من حزب الله، ومع ذلك فقد اصطدم هؤلاء وأبرزهم كمال جنبلاط بالتركيبة اللبنانية المعقّدة، وأنتجت تلك المحاولات حروباً وأشكالاً متعدّدة من الفوضى.

أما عن الازمة الحالية التي يدفع بها حزب الله والعماد عون الى القمة، فيشير القطب الـ 14 آذاري الى وجود وعي متنامٍ لدى قوى 14 آذار والمستقلين من القوى السياسية، لمخاطر طرح تعديل الطائف بل نسفه، وهذا الوعي ترجم وسيترجم على شكل لقاءات موَسّعة سيتمّ الاستعداد لعقدها قريباً، على أن تضمّ كلّ القوى المؤمنة باتفاق الطائف، كدستور أنهى الحرب الأهلية، وكرّس التوازن بين المسلمين والمسيحيين، وأعطى نموذجاً يمكن أن يُحتذى في كلّ بلد يعاني من تعدّدية مجموعاته ومكوّناته.

في الترجمة العملية لهذه المواجهة، ستصرّ قوى 14 آذار على عدم الانتقال الى البحث في أيّ موضوع آخر على طاولة الحوار ما لم يتم الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، وذلك تحت طائلة الانسحاب من الحوار، ولن يكون تكرار الجلسات عائقاً أو عبئاً على هذه القوى، فالقرار واضح بأنّ الأولوية تقتضي انتخاب الرئيس، ليتمّ تشكيل حكومة جديدة والاتفاق على قانون انتخاب جديد، وأية محاولة لحزب الله وعون لاعتماد أجندة معاكِسة تراتبياً، ستلقى الرفض، حتى لو كلف ذلك فشل الحوار.