هل تغيّر العالم فعلاً حتى نصدق أن اميركا والغرب ودول التدمير العربي باتت تريد الخير لشعبنا ودولنا؟
هل لامس خطر «داعش» هذه الدول بدرجة يفرض عليها الإقدام على خطوات ذات طابع عسكري وأمني وخلافه، من دون النظر الى من يستفيد من هذه العملية؟
هل حصل ان تسببت «داعش»، منذ قيامها حتى اليوم، بأي اذى فعلي لكل المكوّنين اليوم لهذا التحالف، حتى قرر هؤلاء الرد ولو استباقياً؟
يبدو ان من غير الضروري توجيه هذه الاسئلة، لأن قوى التحالف نفسها سارعت الى اخبارنا بنيّاتها الحقيقية من وراء هذا التحالف. وهي دول لم تعد تحتاج الى ماكينة اعلامية للكذب والمراوغة والاحتيال، بل تقول ما تريد صراحة. وتحاول فعل ما تنوي القيام به. اما نجاحها من عدمه، فذلك مسألة اخرى.
واضح انه يصعب اعتبار «داعش» وليدة الغرب او حلفائه من دول المنطقة، لكن من السهل اتهام كل هؤلاء بأنهم هم من سهّلوا قيامها وتوسعها. وبدل الرواية المملّة لجماعة هذا التحالف عن ابوّة سوريا وايران وحزب الله لها، يكفي مراجعة الآتي:
اولاً، كل قادة هذا التنظيم، ولدوا وشبّوا ونشطوا في ظل الاحتلال الاميركي للعراق، ثم في ظل الحرب الخليجية على الحكم في العراق، ثم على الحكم في سوريا.
كيف لقوىالتحالف الراعيةلـ «داعش» وأخواتها أن تقود معركة تحرير أمتنا من ظلاميتهم؟
وجاء تمويل التنظيم من دول غنية في الخليج العربي، الى جانب السرقات التي يقوم بها افراده منذ سنوات طويلة. وقد تولت قوى هذا التحالف تسهيل انتقال عشرات الالاف من المقاتلين العرب ممن يعيشون في دول الغرب والشرق، والمقاتلين الآتين من دول الربيع العربي، وصولاً الى اولئك الذين اتوا من مناطق تحتلها اسرائيل في فلسطين. والنكتة الاكثر سماجة تلك التي تخص اسرائيل. اذ رغم ان كل اجهزتها الامنية تشمّ رائحة من يجري اتصالاً بالمقاومة في فلسطين ولبنان، نجدها «تُفاجَأ» بمقاتلين اسلاميين من اراضي الـ 48 وقد باتوا في عداد مقاتلي التنظيم في سوريا والعراق.
ثانياً، العنوان الوحيد لمعركة هذا التنظيم، المعلنة والمطبقة، هي خوض الحرب المفتوحة ضد ايران ومؤيديها في العراق، وضد الحكم العراقي بمعزل عن مساوئه، وتدمير سوريا وجيشها وحكمها ومجتمعها، وضرب حزب الله وانصاره في لبنان. لم تطلق هذه الجماعات التكفيرية رصاصة واحدة ضد اي مصالح تخص قوى التحالف القائم الآن ضدها. ها هي تركيا، مثلا، التي يعبر مقاتلو التنظيم اراضيها في اتجاه سوريا والعراق، لا تشهد مواجهة واحدة. ولا تعتقل السلطات التركية ارهابياً واحداً، ولا يطلق الارهابيون على اي تركي، عسكريا كان او مدنيا، اي رصاصة.
ثالثاً، ما تقوم به «داعش» ضد الاقليات غير الاسلامية يخدم الفكرة الغربية نفسها، التي يختصرها الحكم العنصري الارهابي في فرنسا، بمساعدة المسيحيين في بلادنا على الهروب الى الغرب المسيحي. عندها يرتاح الصليبيون في اوروبا من اي حرج، وتبقى بلادنا عرضة لحروب بين كل اعدائهم. من فئات المسلمين انفسهم، الى الحرب بين المسلمين والعرب واليهود واسرائيل. وكل تاريخ اوروبا الدموي، قام على قتل العرب والمسلمين واليهود، وعلى عزل كل صوت مسيحي عارض الاستعمار الغربي لبلادنا.
ما الذي علينا توقعه من الغزو الغربي الجديد لبلادنا؟
هؤلاء، يتحدثون اليوم عن اسلامين، معتدل ومتطرف. وتفسير هذا التصنيف يعني ان من يريد اعتباره معتدلا، عليه ان يلتحق بالاميركيين وحلفائهم، وله ان يحفظ هوامشه، لكن عليه التزام جدول اعمال هذا التحالف القائم على تجنب الصدام مع اسرائيل، وعدم مواجهة الحكومات المؤيدة للغرب، والايغال في دماء الشعوب والدول التي لا تزال ترفض الاستسلام لسياسات الغرب وحلفائه. بهذا المعنى، فان الصحوات التي يزمعون اطلاقها في مناطق السنة، حيث تسيطر «داعش»، انما ستكون على شاكلة «الجبهة الاسلامية» في سوريا، او كل ما تنوع من اسماء لكتائب منضوية في اطارها او في اطار «الجيش الحر»، اضافة الى عدم اعتبار المعركة مع «جبهة النصرة» ذات اولوية اليوم. وكأن هؤلاء يقولون لنا إنه إذا أصابنا الغثيان لمشاهدة ارهابيي «داعش» يذبحون الناس في سوريا والعراق، فلن نشعر بالامر نفسه، إن قتلهم زهران علوش بالرصاص مباشرة. او اذا عثرنا على الجثث في مقابر جماعية، من دون ان تبث «جبهة النصرة وبقية القوى الفيديوهات المصورة لعمليات الابادة».
يريدون ان يجعلوا الجماعات المجرمة الجهة المؤهلة لتولي الامور مكان «داعش». وهم يدرسون امر توجيه ضربات قوية الى خصوم هذه القوى في ايران وسوريا والعراق ولبنان وفلسطين واليمن وليبيا.
المهم قوله اليوم هو ان كل غزو غربي لبلادنا عدوان يجب مواجهته ومقاومته ومنعه من تحقيق اهدافه، وبلغة الدم اذا تطلب الامر. والمهم قوله، ايضا، انه إذا قرر هذا التحالف مواجهة «داعش»، فهذا لن يمنحه صك براءة عن كل الجرائم التي يتحمل مسؤوليتها قادة وحكومات يشاركون في هذا التحالف، وكما قيل سابقاً بضرورة مواجهة الاستعمار والاستبداد معا، يجب القول اليوم إن العرب امام اختبار جديد لمواجهة قاسية مع الاستعمار والاستبداد والظلامية ايضاً.