كان حرياً ببنيامين نتنياهو ان يصحب معه، الى باريس، أهالي 2269 طفلاً فلسطينيا قتلهم في حربه على غزة الصيف الماضي. لو فعل لظهّر، أكثر، مدى صفاقته في زعم الاعتراض على الارهاب، وان كان لم يقصر في ذلك، حين “قاتل” ليتقدم الصفوف ويجاور الرئيس الفرنسي، خلافا للتراتبية السياسية، ما اضطر المنظمين الى استدعاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى الصف الأول.
مشاركة نتنياهو، نموذج واضح، عمن وجد في رد الفعل على الاسبوع الفرنسي الدامي، فرصة لغسل يديه من الإرهاب.
أليس هذا ما فعله بعض القادة، من عرب وغيرهم، وما فعلته طهران، اذ أدانت جريمة “شارلي ايبدو”، وما تضمره من قمع للحريات، وغفلت عن القمع الذي تمارسه على الأحوازيين والبلوش والآذريين، والرقابة على شبكات التواصل الاجتماعي، والإعدامات السياسية بحق أبنائهم، والتعسفية، كما حال ريحانة جباري، الأحوازية التي قَتلَت مغتصبها فأُعدمت نهاية العام الفائت رغم المناشدات الدولية، الى جانب ارتكابات النظام ضد الإيرانيين أنفسهم، ومن ذلك، رش الحامض الأسيدي على النساء، المشكوك في تقيدهن بالشادور. كما غفلت عن فتوى إمامها المؤسس الخميني بإعدام سلمان رشدي، و”تنشئتها” “وكلاء” لأطماعها السياسية زرعوا الاضطراب في دول المنطقة.
لكن القحة الفجّة، لم تأت من طهران، بل من قصر المهاجرين في دمشق. فالرئيس الى الأبد، وجد وقتا بين طائرتي براميل متفجرة، ليأذن لخارجيته بإدانة الجريمة وزعم التماهي مع رافضي الارهاب، وهو الذي ينافس نتنياهو، في عدد الضحايا. وكما حلفاؤه، لم يغفل عن انتهازيته في أمرين: الأول أن يعلن تشفيه من “السياسات الأوروبية”، التي وصفها بدعم الإرهاب، لتأييدها حق السوريين في الديموقراطية، والثاني، تصوير “الإرهاب التكفيري”، كإختصاص لهوية إسلامية بعينها، هي للمصادفة، تشكل نحو 90 في المئة من مسلمي الكرة الأرضية.
السعي الى فرض التماهي، بين وصف الارهاب بالتكفيري، وبين الغالبية الاسلامية في العالم، صار جزءا من خطاب قوى “الممانعة”، وملحقاتها. ففي اليمن، يبعث الحوثيون برسالة الى الرئيس عبد ربه منصور هادي، مهددين باجتياح مأرب بذريعة “حمايتها ومواجهة التكفيريين”، أي أهلها الذين يرفضون تمدُد جماعة الحوثي، حليف طهران، التي تصفه بزعيم الجزيرة العربية الجديد.
وفي العراق، يفتك مقاتلو الميليشيات الطائفية ومتطوعو “الحشد الشعبي” تحت الشعار نفسه، بالداعشيين ومن ضدهم، من هذه الأغلبية، في آن واحد.
وفي بيروت، لا يتوانى إعلام الحزب “الحاكم”عن استخدام الوصف نفسه، والخلط نفسه، والتلويح نفسه، ليقول، و”قوى الممانعة”، إن مهمة واحدة تجمعهم مع فرنسا والغرب، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، حليفة اسرائيل الأبدية.
مهمة، ضد من؟