جان قهوجي ووليد سلمان ومحمد خير، ثلاثة ضباط تقاطعت الظروف الخارجية والداخلية لبقائهم في مواقعهم بعد انتهاء خدمتهم العسكرية. «إبرة» التمديد الثاني في «عضل» المؤسسة العسكرية مرغوبة بقوة من قبل الجميع باستثناء ميشال عون.. وأيضاً الضباط المستحقين لشغل هذه المواقع.
لم ينتظر محبّو تأجيل تسريح قائد الجيش للمرة الثانية جلسة الخامس من آب للتعبير عن تأييدهم لهذا الخيار. في الأول من آب ارتفعت الى جانب لافتات وشعارات الجيش صور العماد قهوجي في عدد من المناطق والشوارع والساحات الرئيسية مرفقة بشعار «الأمر لك».
وفي «العالم الافتراضي» تبادل «الفايسبوكيون» عبارات التهنئة والـ «مبروك» بعد أن وقّع وزير الدفاع قرارات تأجيل التسريح. أما هاتف قهوجي الشخصي فلم يهدأ. تزاحم كثر على التربّع على رأس لائحة المهنئين بقرار يفترض، برأيهم، أنه يُسهم في «الحفاظ على الاستقرار الأمني». اللافت أكثر ورود اتصالات تهنئة بالممدّد لهم حتى مِن جانب مَن وقف صراحة ضد هذا الخيار!
تصرّ قيادة الجيش على اعتماد خطاب النأي بالنفس عن كل ما أحاط عملية تأجيل التسريح من غبار سياسي عادة ما كان العماد قهوجي يواجهه بمقولة «ابعدوا الجيش عن التجاذبات السياسية واختاروا من تشاؤون لمركز القيادة».
أما فرضية التمديد الثاني، التي بقيت قائمة منذ لحظة توقيع وزير الدفاع السابق فايز غصن على قرار تأجيل التسريح الأول، فكانت معادلة قهوجي تستبقها بالقول «إن تمّ اللجوء مجدّداً الى هذا الخيار فلن يكون محكوماً الا بتوقيع وزير الدفاع استناداً الى نصّ المادة 55 من قانون الدفاع».
معادلة ميشال عون كانت النقيض بحدّ ذاته: جان قهوجي شريك سرّي في مؤامرة تأجيل التسريح. طَلب التمديد لنفسه خلافاً للقانون. رفض التعيين قبل أشهر من ايلول لكنه قبل التمديد قبل أسابيع من تاريخ 23 ايلول. «يشتغل» من اليرزة للوصول الى بعبدا.
بمطلق الاحوال، حين «يطوّب» التمديد العسكري بهذا الكمّ من التأييد السياسي، تصبح مهمّة «المؤجّل تسريحه» أهون بكثير. تأجيل التسريح لعام واحد فقط، أسوة باللواء وليد سلمان، لا يعني أن مدّة العام الإضافية والأخيرة، المستحقة لقهوجي من ضمن سنوات خدمته المتاحة في السلك، قد لا تستهلك بقرار تأجيل تسريح ثالث إذا اقتضت الظروف ذلك. احتمال لا يستبعده حتى الفريق المناوئ للتمديد.
في اليرزة زوار لبنانيون وأجانب، ومهنّئون، وحركة عمل اعتيادية تبدو منفصلة عن أجواء التشنّج السياسي في الخارج. مع ذلك يتخوّف كثيرون من استعادة شريط المواجهة التي حصلت في التاسع من تموز الماضي في حال قرّر ميشال عون إطلاق العنان لشارعه مجدداً كي يقول كلمته في التمديد المرذول وفي «الخديعة» التي تعرّض لها زعيم أكبر تكتل مسيحي.
مَن راقب الاستنفار الذي واكب انعقاد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة يوم الاربعاء، ظنّ للوهلة الاولى ان ثمّة من يريد اقتحام السرايا فعلاً، حتى لو أن الخطاب العوني عشية الجلسة لم يكن يوحي بأي إشارة للتصعيد. مع ذلك، الأوامر العسكرية كانت صارمة، ولا تزال، باتخاذ الاحتياطات كافة لتجنّب أي سيناريو غير متوقع.
في روزنامة العماد قهوجي ما بعد التمديد، استكمال للمهام التي تفرض جهوزية عالية للجيش على الحدود الشرقية مع إبقاء العين على التطوّرات جنوباً، خصوصاً عين الحلوة، وإصرار على ملاحقة الشبكات الإرهابية، مع ما يطرأ من مستجدّات، تماماً كما شهدت جرود بريتال يوم أمس اشتباكات بين الجيش ومطلوبين على خلفية ملاحقة مجموعة من المسلحين المطلوبين بجرائم.
لكن يبقى المعيار الأساس لما بعد التمديد هو احتمالات توظيف هذا التطوّر، المتوقع أصلاً، في استحقاق رئاسة الجمهورية الذي لا يزال، برأي كثيرين، بعلم الغيب. السيناريوهات متنوعة وغبّ طلب القوى السياسية، لكن الامر الوحيد المؤكّد والثابت هو أن الإبقاء على قهوجي في اليرزة يبقيه ضمن دائرة الأسماء الجدّية المرشّحة لدخول قصر بعبدا. وفي الوقت نفسه يطيح بأسماء كانت مرشّحة لتسلّم قيادة الجيش بينها العميد شامل روكز (يتقاعد في 15 تشرين الأول) ومارون حتي (يتقاعد في آب 2016)…
لكن قهوجي ليس وحده في ميدان المحظوظين بطبقة سياسية تأتمر مباشرة بإملاءات الخارج. وليد سلمان دشّن أمس اليوم الأول من ولاية التمديد الثانية. كان يمكن المشهد أن يكون مختلفاً تماماً. سلمان في منزله في أول ساعات التقاعد وضابط آخر يستقبل المهنئين في دارته بعد أن رُقّي الى رتبة لواء وصار رئيساً للاركان، فيما أبناء ضيعته يرفعون لافتات التهنئة والتبريك بتبوئه المنصب الجديد.
عملياً، بقاء سلمان في موقعه أعفى وليد جنبلاط من مهمّة المفاضلة الصعبة بين الضباط الدروز في المؤسسة العسكرية، تماماً كما أعفى تمام سلام من فرض الرئيس سعد الحريري عليه اسم الضابط السنّي المؤهل لموقع الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع. والنتيجة في الحالتين فرملة طموحات ضباط عديدين في شغل مواقع يستحقونها.
قهوجي يزور سلامة: الأمن والاقتصاد دعامة الاستقرار
شدد قائد الجيش العماد جان قهوجي، على أن «الاقتصاد والأمن هما صنوان لا ينفصلان، ويشكلان معا الدعامة الأساسية للاستقرار الوطني العام، وقاعدة الانطلاق إلى ورشة النهوض بالوطن على مختلف الصعد».
كلام قهوجي جاء بعد زيارته حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مكتبه في بيروت، حيث قدم اليه هدية تذكارية تحتوي على الورقة النقدية الجديدة من فئة الـ50 ألف ليرة، التي صدرت أخيرا لمناسبة العيد الـ70 للجيش، «عربون شكر وتقدير للمصرف». وأثنى قهوجي على «الدور المميز لمصرف لبنان في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والنقدي في البلاد على الرغم من استمرار المصاعب الداخلية والإقليمية».
من جهته، شكر سلامة قائد الجيش على زيارته، ونوه بـ «الجهود الجبارة التي بذلتها المؤسسة العسكرية ولا تزال، للحفاظ على مسيرة السلم الأهلي ولدرء الأخطار المحدقة بالوطن وخصوصا خطر الإرهاب». ولفت النظر الى أن «مبادرة المصرف إلى طبع العملة الجديدة تمثل تحية وفاء للجيش وشهدائه وجرحاه، وتعبر عن الثقة بهذه المؤسسة الوطنية الجامعة، التي تشكل أمل اللبنانيين وصمام أمنهم واستقرارهم».
من جهة ثانية، أقام فندق برمانا، بالتعاون مع «مؤسسة دعم الجيش اللبناني»، حفلا تكريميا لأبناء شهداء الجيش، برعاية قهوجي ممثلا بالعقيد الركن ابراهيم درنيقة، الذي اعتبر أن «هذه الثقة العارمة بالجيش، إنما تعود بالدرجة الأولى إلى تضحيات شهدائه الأبطال».