Site icon IMLebanon

العدوان المخيّب» في تل أبيب: لا يُضعف النظام ولا يسقطه

   

 

يشكّل القرار الأميركي بالعدوان على سوريا، مبادرة أو امتناعاً، محطة تأسيسية وكاشفة بالنسبة إلى صناع القرار في تل أبيب حول العديد من المسارات التي تتصل بالأمن القومي، بدءاً من مستقبل النفوذ والردع الأميركيين في الساحتين السورية والاقليمية، مروراً بالنتائج والرسائل التي ستحضر لدى أطراف محور المقاومة في سوريا وإيران والمنطقة، ووصولاً إلى المعادلة الروسية الأميركية المتصلة بواقع ومستقبل الساحة السورية التي سيكون لها انعكاسها على هامش الحركة والمبادرة الاسرائيليتين. وأيّاً كان الموقف الذي سيتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب: امتناع عن العدوان أو عدوان رمزي على مستوى الأهداف والرسائل، أو محدود في أهدافه العسكرية والسياسية، أو عدوان واسع يشمل بنية النظام والجيش السوريين… فإن لكل من هذه السيناريوات رسائلها ودلالاتها التي ستحضر بقوة في وعي وحسابات المؤسسة الإسرائيلية حول مستقبل الصراع مع محور المقاومة في سوريا والمنطقة. ويستند البعد التأسيسي لهذه المحطة من النهج العدواني الأميركي ضد سوريا والمنطقة إلى تزامنه مع مرحلة الحسم الاستراتيجي ضد الجماعات الارهابية، وتبلور انتصار محور المقاومة الذي يؤسس لسوريا كجبهة أمامية في معادلة الردع الاقليمي، ومع تموضع روسي (شبه) نهائي على مستوى علاقاته وتحالفاته مع الدول والقوى الاقليمية.

 

بغض النظر عما سيؤول إليه القرار الأميركي، لا ينبغي أن يكون مفاجئاً بأن تحاول الولايات المتحدة التأثير في المجريات الميدانية والسياسية التي تشهدها الساحة السورية، على الأقل بهدف كبح المسار التصاعدي لمحور المقاومة، أو محاولة حجز مكان في المعادلة السياسية التي تتشكل في ضوء انتصارات الميدان. وبالتالي، فإن سرعة تقدم الجيش السوري وحلفائه، والانهيار المتواصل للجماعات المسلحة، مقروناً بتصاعد قدرات محور المقاومة، تفرض على واشنطن التحرك المضاد.

مع أن الاجواء المهيمنة على المؤسستين السياسية والاعلامية في تل أبيب ترجّح حصول العدوان الأميركي على سوريا، لكن ما زالت المخاوف من تراجع ترامب عن هذا الخيار تحضر لدى شخصيات تعكس قدراً من الأجواء العميقة السائدة، وهو ما عبّر عنه الرئيس السابق لوحدة الابحاث في الاستخبارات العسكرية، ورئيس الهيئة الامنية والسياسية في وزارة الامن، عاموس غلعاد، الذي حذَّر من الانعكاسات القاسية والدلالات الخطيرة لمثل هذا التراجع، في ما لو حصل.

لا تختلف كثيراً تداعيات «العدوان الرمزي» ورسائله، مع أنه من حيث الشكل يمكن للولايات المتحدة أن تسجّل أنها نفّذت ما وعدت به. لكن صنّاع القرار السياسي والأمني، في تل أبيب، يدركون المعاني الكامنة في اختيار الولايات المتحدة لهذا المستوى من العدوان الذي قد يسهم في تهشيم صورة الولايات المتحدة أكثر من كونه يسهم في تعزيزها كقوة مهيمنة.

 

يشكّل القرار الأميركي محطة تأسيسية بالنسبة إلى صنّاع القرار في تل أبيب

 

ويمكن الجزم بأن تداعيات هذين السيناريوين، لن تقتصر على عدم تعزيز قدرة الردع الأميركية التي تعاني من التآكل الذي ترك تداعياته على المجريات الميدانية والسياسية في الساحة السورية، بل سيسهم في كشف المزيد من معالم محدوديتها، ويؤكد القيود التي تفرض نفسها على صناع القرار في واشنطن لمراعاتها. وسيكون لهذين المسارين المزيد من التداعيات على مجمل الساحات والقضايا المتصلة بمعادلات الصراع مع إسرائيل وأيضاً في الكباش مع موسكو. ولن يطول الوقت حتى تصدر في تل أبيب الأصوات التي ستجاهر بأن هذه المحطة السورية بدَّدت كافة الرهانات على سياسات ترامب الاقليمية.

يغلب على تقدير المؤسستين السياسية والاعلامية في إسرائيل أن العدوان الأميركي سيكون محدوداً في نتائجه ومفاعيله. بل هو التقدير السائد أيضاً في المجلس الوزاري المصغر، كما نقلت القناة العاشرة عن وزيرين من المجلس، قولهما «اذا حدث فسيكون موضعياً نسبياً، ولن يؤدي الى حادث كبير يجر إسرائيل إلى داخله». ومع أن هذا التوصيف ينطوي على قدر من الضبابية، لكن القدر المتيقن منه هو أن هذا العدوان – بحسب توصيف الوزيرين الإسرائيليين – لا يجسّد الحد الأدنى من طموح تل أبيب، ومصالحها الاستراتيجية.

في المقابل، تبقى ميزة هذا العدوان أنه يوفر للولايات المتحدة «شكل» الدولة المتوثبة، بقدر، ولكن من دون مفاعيل استراتيجية على مجمل معادلات الساحة السورية والاقليمية. وهو ما سوف يعمّق من قلق تل أبيب، باعتباره الحد الاقصى الممكن في ضوء الضوابط التي تلتزم بها الإدارة الأميركية في سياساتها السورية والاقليمية. وقد يسهم في الدفع نحو حسم الرهانات الإسرائيلية التي تحاول على أساسها دفع الولايات المتحدة إلى الانخراط عملياً وعسكرياً في الصراع مع سوريا ومحور المقاومة.

في ضوء حقيقة أن هذا المستوى من العدوان هو المرجّح في تل أبيب – حتى الآن – سيشكل من منظور إسرائيلي محاولة للحفاظ على صورة الهيبة الأميركية التي تهشمت في العراق وسوريا ولبنان وفي مواجهة إيران. وفي هذه الحالة أيضاً، ستبدو روسيا أكثر ندية في مواجهة واشنطن على مستوى المنطقة.

أما العدوان الذي يستهدف إسقاط النظام، وإحداث تغيير جذري في الميدان السوري، وفي مجمل المعادلة الاقليمية، فهو السيناريو الذي تتمناه تل أبيب وتسعى اليه، ويجسّد مصالحها كونه يحدث تعديلاً جذرياً في معادلات الصراع على الساحتين السورية والاقليمية.

على ضوء مجمل السيناريوات، يتضح أن إسرائيل ترى في القرار النهائي الأميركي محطة تأسيسية كاشفة عن مستقبل معادلات الصراع في سوريا والمنطقة. وبحكم أن إسرائيل تستبعد أن تبادر الولايات المتحدة إلى خيار عسكري واسع يؤدي إلى انخراطها من جديد في الصراع المباشر، فإن كل البدائل تصبح مخيّبة لها، على تفاوت بينها، لكنها في الجوهر تعكس حقيقة المسار الانحداري للنفوذ والردع الأميركيين الذي ستتوالى تداعياته على قوة الردع الإسرائيلية وباقي حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.