الفرد النوار –
يقال عن تأخر عقد الجلسة النيابية التشريعية انه عائد الى خشية الرئيس نبيه بري من اعتبار بعض المشاريع من الضرورات الملحة حيث لا بد بعدها من ان يأخذ مجلس النواب اجازة قسرية تمنع عليه الانعقاد من دون ستار قانوني دستوري، جريا على العادة والتقليد المتبعين في مثل الضرورات الملحة، لاسيما ان الرئيس بري كان ولا يزال يعرف ويعترف ان مجلس النواب قد مات في ظل غياب رئيس الجمهورية الذي اضطر المجلس الى ان يكون «لا مجلسيا» كما اضطر الحكومة الى ان تكون «لا حكومة» باعتراف الجهابذة في العلم الدستوري والقانوني ومثلهم كله من لم يعرف الى الان ان مجلسنا النيابي فقد بريقه القانوني لمجرد انه منع عليه انتخاب رئيس للجمهورية!
وطالما ان الوضع على ما هو عليه حتى اشعار اخر، اشعار عدم انتخاب رئيس بما في ذلك استمرار الفراغ الرئاسي، وكلها شعارات مليئة بالاعتبارات الدستورية التي اسقطها الجميع من حساباتهم، لاسيما ان هناك مرشحا للرئاسة يرفض النزول الى المجلس «لان يثبت وجوده» فيما المرشحان الاخيران لم ينقطعا عن المشاركة في الجلسات الانتخابية عملا بقناعتهما ان الترشح شيء وان التمسك بفقدان النصاب هو الحق الدستوري الذي اسقطه الرئيس نبيه بري من اعتباره مدخلا ملحا لانتخاب رئيس!
هل لان المنصب الرئاسي اصبح بعيدا عن اهداف البعض، جعل من النصاب حالا سياسية فاقدة الشرعية، قبل ان تتطور الامور الى شيء من اللاشرعية، وهذا بالطبع عائد الى فشل مجلس النواب في اثبات وجوده اكثر من كل ما عمل من اجله ليقال ان مجلس النواب سيد نفسه وسيد قراراته لذا ضاع المجلس بين ان يكون حالا صحية – سليمة انما كل ما تقدم لن يكون له محل في الاعراب السياسي السليم، طالما ان من يفترض به ان يترشح للرئاسة ان يحضر جلسات الانتخاب ليس الا؟!
صحيح ان من يقاطع جلسات الانتخاب قد فقد عذريته السياسية لمجرد انه قاطع ما هو مطلوب منه المشاركة فيه، كي لا تكون لهذا الهدف مجموعة مفاعيل سياسية – قانونية ودستورية، والاصح من كل ما تقدم ان مجلس النواب الحالي فقد شرعيته بعد اكثر من الف يوم على غيابه التشريعي، وهذا مرشح لان يستمر لسنوات اي ان البلد سيكون من دون رئيس جمهورية لان الحال في مجلس النواب فقدت شرعيتها الدستورية والقانونية، بحسب اعتراف الجميع بلا استثناء؟!
امام هكذا واقع لا بد من ان يفهم الجميع ان الضرورات هي التي تملي عقد جلسات لانتخاب الرئيس كي لا يقال بحسب ما قاله البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي «ان من يغيب من النواب يتحمل وزر اعمال السلبية التي لا بد وان يطالب جرائها بأن يقدم حسابا لمن انتخبه ليصبح ممثلا له في السلطة التشريعية التي تحولت الى ما يشبه الكذبة السياسية الفاضحة».
كان بوسع الراعي استخدام عبارات اقسى مهما ورد على لسانه، على امل ان يفعل من اتهمهم بالتقاعس انهم لا شيء في حياتنا السياسية والعامة مهما كان موقع هؤلاء في المرتبة السياسية والحزبية خصوصا ان الشيء الذي يؤهلهم لانتخاب رئيس الجمهورية اصبح وراءهم قياسا على ما لم يقبلوا عليه قياما بواجباتهم السياسية والدستورية والقانونية!
واذا كان من مجال لان يفهم المتقاعسون ما هو الدور المطلوب منهم، فان الاسوأ هو ما ينتظر لبنان في مستقبله المنظور، وهذا من ضمن الشلل المهيمن على المجلس النيابي الذي يتعذر عليه التشريع طالما انه لم يفهم الى الان ما هو المطلوب منه في مجال سد الثغرات المهيمنة على نشاط مجلس النواب، المرشح بالنسبة الى الانتخابات الرئاسية.
وما يقال في هذا الصدد لا بد وان يفهمه كل نائب على ذوقه انما الامر الواقع في زمن شيخوخة النظام ان الامور تتجه نحو الاسوأ وهذا بدوره من ضمن الدلالات التي جعلت مجلس النواب يفقد زمام الامور، حيث لا بد وان تكون محاسبة في الانتخابات النيابية المقبلة، الا في حال سيطر الغباء على الناخبين ممن يتمسكون بمواقفهم كأنها تصرف مقدس من الواجب اعتماده من غير حاجة الى ان تبصر حالنا السياسية النور غير الكاذب الذي طالما تمسك به من يفهم احوال اللعبة السياسية – الانتخابية.
والمهم في نــظر من يعرف طبيعة الحال السياسية المعاشة، اننا في زمن الضمور الفكري والاخلاقي – اضافة الى الضمور في كل شيء لان الامور سائرة باتجاه المزيد من السلبية حيث يعتبر كل سياسي نفسه خارج دائرة الانتقاد مع العلم ان النقد هو في صلب قانوننا المبني على الديموقراطية النيابية وكل ما يقال عكس ذلك هو من ضمن لعبة اضاعة الوقت، بحسب ما يجمع عليه المراقبون في الداخل وفي الخارج على السواء؟!