IMLebanon

المنطقة الرجراجة في زمن ترامب: عقوبات تطويع إيران وأذرعها آتية!

المنطقة الرجراجة في زمن ترامب: عقوبات تطويع إيران وأذرعها آتية!

قنوات خلفية للتفاوض حول الأزمات الملتهبة وخصوصية دور سلطنة عُمان

 

 

سؤال يطرحه لصيقون بـ «حزب الله»: عون سيكون مع الحريري أم معنا؟

مُصيب النائب السابق فارس سعيد في توصيفه «أن المنطقة رجراجة، تنام على شيء وتستفيق على شيء». ففي الوقت الذي كانت فيه الأنظار تتجه نحو إيران، مع بدء مفاعيل الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية في الرابع من تشرين الثاني الحالي التي تستهدف بشكل خاص قطاع النفط وتشكل ضغطاً غير مسبوق عليها، حصل مقتل الصحافي جمال خاشجقي في قنصلية بلاده في اسطنبول، فأضحت المملكة في «عين العاصفة»، مع كمّ الضغوط الذي تعرّضت له، بوصفها الشريك الرئيسي للرئيس الأميركي دونالد ترامب في تنفيذ استراتيجيته حيال إيران، والتي وصلت ارتجاجات اهتزازها سياسياً إلى «سيّد البيت الأبيض» عشية الانتخابات النصفية للكونغرس، وتحضيرات انتقاله إلى فصل جديد من المواجهة مع طهران.

لكن المسار الأميركي يسير في نهاية المطاف وفق الخطة المرسومة. العقوبات على إيران آتية في إطار «سياسة التطويع» للإتيان بها إلى طاولة المفاوضات وفق أجندة لا تشمل فقط تعديل الاتفاق النووي، بل أيضاً مسألة الصواريخ البالستية، ودور طهران «غير البنّاء» في المنطقة ورعايتها لأنشطة إرهابية دولية. واشنطن لا تغلق الباب، تستخدم سلاح العقوبات بديلاً عن السلاح العسكري، وتترك قنوات خلفية للتفاوض، أفعلها سلطنة عُمان، التي تؤمن أنه إذا أغلق الآخرون الأبواب فلا بدّ لأحد ما أن يُبقي نافذة مفتوحة. هذه سياسة أراد السلطان قابوس بن سعيد أن تتسم بلاده بها، في إطار تعزيز سبل السلام بين الدول والشعوب.

مجرى الأمور، على بعد يومين من تنفيذ العقوبات، يشي بأن القنوات الخلفية بين الأميركيين والإيرانيين  لم تحقق اختراقاً حقيقياً، وإنْ كان البعض يُراهن على أن جدّية العقوبات على طهران ستليّن موقفها مستقبلاً. ولكن شاءت السلطنة من خلال استقبالها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشكل علني، أن تكسر محرّمات العلاقة مع إسرائيل، ونجحت – بفعل الخصوصية التي تتحلى بها في العلاقة مع «دول الممانعة» – في تجنّب كأس حملات «التخوين».

شكّلت محادثات مسقط سبر أغوار لما في جعبة نتنياهو على مستويين: الأول، إعادة إحياء المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، بعدما كان السلطان قابوس قد استمع إلى ما لدى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وبدا الوزير العُماني المسؤول عن شؤون الخارجية يوسف بن علوي شديد الوضوح بأن بلاده تعتمد على الولايات المتحدة ومساعي ترامب في العمل باتجاه «صفقة القرن»، وأن مسقط تُقدّم أفكاراً للتقارب بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وتحمل زيارة موفدين لقابوس إلى عباس خلال الأيام الماضية رغبة جدّية في دفع هذا المسار قُدماً.

أما المستوى الثاني، فيتناول العلاقة مع إيران. وفي المعطيات المتوافرة، من شخصية لبنانية استقت معلوماتها من جهات عربية، أن  نتنياهو اعتبر أن دقائق الملف النووي الإيراني هي في يد واشنطن، وما يعني إسرائيل هو ضمان أمنها لجهة رفض وجود أي نوع من الصواريخ عالية الدقة أو البالستية لدى «حزب الله» في لبنان كونها تُشكّل تهديداً لأمنها من الجبهة اللبنانية، أو وجود تلك الصواريخ لدى إيران وأذرعها العسكرية في سوريا حتى لو كانت بإدارة النظام، ورفض أي إمكانية لنشوء حالة مشابهة للجنوب اللبناني في جنوب سوريا تحت أي ظرف.

تحرّك مسقط لا يخرج، في حقيقة الأمر، عن مشهد التحرّكات على غير ساحة في المنطقة، سواء في العراق أو سوريا أو اليمن، الذي عاد إلى الواجهة مع المطالبة الأميركية عبر وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات في غضون ثلاثين يوماً، مترافقة مع دعوات بريطانية وفرنسية مماثلة. في التوقيت، ثمة محاولة للضغط على المملكة، لكن مقرّبين من الحكومة الشرعية اليمنية يؤكدون أن أي مفاوضات سيكون مصيرها الفشل إذا لم تستند إلى المرجعيات الثلاث التي تتمثل بالمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرار الأممي 2216.

تطورات المنطقة المتسارعة، بما تحمله من صعوبة التنبؤ بنتائجها، والوقائع الجديدة التي قد تفرضها العقوبات الأميركية على إيران أولاً و«حزب الله» ثانياً، بدا أنها فرضت نفسها بقوة على المشهد الداخلي. ثمة توجّس لدى «حزب الله»، أو بالحد الأدنى «حذر ما»، من «دعسة ناقصة» في الملف الحكومي، بحيث يكون لفريق واحد «الثلث المعطل» – وهنا الكلام عن حصة رئيس الجمهورية وتياره – أو أن يكون لدى فريقين الأكثرية المقررة، والحديث هنا يتناول عون والحريري. فمنسوب الكلام في الكواليس عن التناغم بين عون والرئيس المكلف سعد الحريري يصل إلى حدود عودة التعويم لاتفاق الحريري – جبران باسيل الذي وفّر طريق التسوية الرئاسية. وهناك سؤال يطرحه لصيقون بـ «حزب الله» عمّا إذا كان عون سيكون مع «الحزب» أم مع الحريري؟ وهو سؤال يُعبّر في طيّاته عن «حذر» ظهّره «حزب الله» بعودة تبنيه الحاسم لتوزير «سنّة المعارضة» كورقة ضامنة في يده، يريدها أن تكون من حصة رئيس الجمهورية، وإن كان صوّب سهامه نحو الرئيس المكلف، وألبسها لبوس مواجهة سنيّة – سنيّة.

ورغم الاقتناع السائد لدى كثيرين من أن القوى السياسية في الحُكم أعجز من أن تُواجه «حزب الله» سياسياً، وأن التحالف الاستراتيجي بين رئيس الجمهورية و«حزب الله» أعمق من أن يهتز، وأن كل ما يجري لا يتخطى لعبة التقاسم والمحاصصة في إدارة مقدرات البلد، فإن البعض يرى أن ذهاب «الحزب» إلى خوض المواجهة بالمباشر لا يمكنه أن يكون خطوة «تكتيكية» على حساب «الاستراتيجيا»،  كما اعتبر رئيس الجمهورية في إطلالته بالذكرى الثانية للعهد، ذلك أن عمل «الحزب» يستند دائماً إلى خلق وقائع داخلية يوظفها في خدمة مشروعه الأكبر، وتحوّطه يندرج في هذا الإطار!.