IMLebanon

الاتفاق على اعتماد الحياد سياسة للبنان يُحصِّن السيادة والاستقلال ويُقيم الدولة المدنية

لا يزال الرئيس السابق ميشال سليمان يرى في “إعلان بعبدا” سبيلاً لخلاص لبنان ولتجنيبه تداعيات صراعات المحاور وجعله بلداً سيداً حراً مستقلاً ومستقراً. وهو لا يترك مناسبة إلا ويعود إلى طلب التمسك بهذا الاعلان حتى بعدما اصبح خارج قصر بعبدا، والمناسبة المهمة كانت عند تقليده وسام الصليب الأكبر في الفاتيكان، وهو أول وسام يقلد لرئيس جمهورية لبنان خصوصاً خارج الحكم، ما يؤكد ان الرئيس الذي يكرّم هو الرئيس التوافقي والوفاقي، وهو الرئيس الذي يرفع اسم لبنان عالياً ويجسد تطلعات ابناء وطنه وآمالهم ويدافع عن سيادة لبنان واستقلاله وحريته غير آخذ في الاعتبار سوى مصلحة الوطن وما ينص عليه الدستور. وهذا التكريم لم يحظَ به رئيس من قبله بعد انتهاء ولايته، لا بل أن عدداً منهم دخلوا قصر بعبدا أقوياء، وخرجوا منه ضعفاء، إما لأن عيونهم كانت على التمديد أو التجديد، وإما لأنهم لم يعرفوا كيف يعالجون الأزمات عندما تختل التوازنات.

ويتساءل مرجع ديني: هل يتوصل الاقطاب اللبنانيون، ولاسيما منهم المسيحيون، الى اتفاق على اعتماد “إعلان بعبدا” سياسة للبنان تقيه شرور الداخل والخارج وتحصن وحدته الوطنية فيعوضوا بذلك سلبيات خلافاتهم التي فرضت شغورا في الرئاسة الأولى وتمديداً لمجلس النواب. واذا كان “اعلان بعبدا” يحتاج الى تأييد الدول الشقيقة والصديقة نظرا الى ارتباط زعماء لبنانيين بهذه الدول، فإن رئيس الجمهورية العتيد يستطيع، إذا كان من مؤيدي هذا الاعلان، جعل هذه الدول تؤيده ايضا اذا كانت تريد فعلا الخير للبنان والاستقرار الامني والسياسي والاقتصادي له خصوصاً ان روسيا تلتقي في تأييد ذلك مع أميركا، وإيران تلتقي أيضاً مع السعودية كما يظهر من مواقفها، إلا إذا لم تكن لايران مصلحة الآن في أن يكون لبنان على الحياد كونها لا تزال تخوض معركة نفوذ في المنطقة، ديبلوماسية حينا وعسكرية حينا آخر.

إن التوصل الى اتفاق على اعتماد “اعلان بعبدا” سبيلاً لخلاص لبنان من تداعيات كل ما يجري حوله من شأنه ان يسهل الاتفاق على مواضيع مثيرة للخلاف ومنها:

أولا: السلاح خارج الدولة، اذ لا تعود الحاجة اليه عند اعتماد سياسة الحياد، لا في الداخل لحفظ الأمن الذاتي، ولا في الخارج لصد عدوان اسرائيلي لأن تنفيذ القرار 1701 كاملاً يجعل هدنة عام 1949 هي التي تنظم العلاقات بين لبنان واسرائيل الى حين يتم تحقيق السلام الشامل في المنطقة. واذا كان لا بد من الابقاء على هذا السلاح فإن الاتفاق على استراتيجية دفاعية تضبط استخدام هذا السلاح يصبح أمراً لا بد منه.

ثانياً: إن إلغاء الطائفية السياسية تنفيذا لنص الدستور يصبح سهلاً وغير معقد، لأن حياد لبنان يجعل كل الطوائف، وخصوصا المسيحيين، يرتاحون الى مستقبلهم ولا يفكرون في الهجرة لأسباب أمنية أو سياسية أو اقتصادية. ذلك ان الاستقرار العام الذي يتحقق بالحياد هو السبيل الى النمو والازدهار. وبالحياد لا يعود المسيحيون يخافون على وجود لبنان ولا على ذوبان كيانه حتى لو كان ثمن الحياد القبول بإلغاء الطائفية لأن انتخاب رئيس للجمهورية إلى أي حزب او طائفة انتمى، سيكون حريصاً على لبنان الحياد ولا يخشى المسيحيون خاصة أن يكون منحازاً إلى هذا المحور أو ذاك، بل تصبح مصلحة لبنان فوق كل اعتبار ويصير في الامكان مع إلغاء الطائفية اختيار الأصلح والأفضل والأنظف لأي منصب كبير في الدولة، وعندها تقوم الدولة المدنية القوية ويكون ولاء الجميع فيها للبنان أولا وليس لحزب أو طائفة أو خارج.

لقد تزعزع وضع لبنان سياسياً وأمنياً واقتصادياً بفعل الأزمة السورية وبفعل عدم التزام اللبنانيين سياسة النأي عن هذه الأزمة، وتعطل الحوار بين اللبنانيين ولم تحترم استحقاقات مؤسساتية ودستورية. ولا بد في هذا الوضع من التذكير مرة أخرى بقول لافت لنائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم منذ فترة: “لدينا فرصة للاتفاق بدل انتظار التعليمات وبإمكاننا أن نهتم ببلدنا بدل تسخيره لخدمات وطموحات اقليمية، ولولا تسليم البعض رقبته السياسية للآخرين، لوجدنا الطريق معبدة للتوافق والوحدة، وان من ينتظر الحلول الاقليمية لمعالجة قضايا لبنان سيطول انتظاره لأن المنطقة هي في حال انعدام وزن وعدم استقرار مسار الحلول فيها، ومن يتوقع هزيمة خصومه بالاجانب فسيجني الخيبة، لأن الواقع اللبناني يتطلب حدا من التفاهمات التي يربح منها الجميع، فلا مجال إذاً للاستفراد والهيمنة، والحل الوحيد هو تفاهم الاطراف المختلفة”.

هذا الكلام الجميل والواقعي يحتاج الى ترجمة عبر حوار صريح يبدأ بالاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية وينتهي بالاتفاق على اي لبنان نريد. ولا شك في ان “حزب الله” هو الأقدر والأقوى على تحقيق ما يدعو اليه ويرسم خريطة طريق خلاص لبنان ولو بخطوطها العريضة، ويكون تحييد لبنان هو أول خطوطها، لا بل هو الميثاق الوطني الذي قال “لا شرق ولا غرب” تحصيناً للاستقلال عام 1943. وبتطبيقه اليوم يتحصّن الاستقرار العام ويعمّ الازدهار.