اختلفت القراءات والمعلومات في شأن الاتفاق النفطي المفاجئ بين التيار الوطني الحر وحركة «أمل». البعض اعتبره اتفاقا رئاسيا مُبطّنا، آخرون رأوا فيه اتفاقا على تقاسّم الثروة النفطية بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. لكن السؤال، ما أهمية الاتفاق على مستوى استخراج نفط وغاز لبنان من البحر؟
الرواية التي جرى تقديمها رسمياً لتوصيف المعطيات التي سمحت بالاتفاق النفطي بين حركة «أمل» والتيار الوطني الحر، هي ورود معلومات جديدة تؤكد توفر الغاز والنفط في أعماق البحر اللبناني، من خلال تقرير حمله وزير الطاقة والمياه ارتور نظريان الى كل من يعنيه الامر.
لكن هذه الرواية لم تكن مُقنعة للأسباب التالية:
اولا- ان الخلاف النفطي بين حركة «أمل» والتيار الوطني الحر لم يكن يوما، وعلى مدى السنوات الماضية قائماً، لأنه لم تكن هناك قناعة بوجود النفط، بل أن الاسباب المعلنة للخلاف كانت تدور حول طريقة تلزيم البلوكات النفطية العشرة الممتدة من الجنوب الى الشمال.
ثانيا – ان الاعتماد على تقرير جديد للقول ان الغاز أو النفط بات موجودا بالتأكيد، ليس مقنعا على اعتبار ان مبدأ وجود الغاز ثبت من خلال انتظار سنوات حتى بدأت اسرائيل في استخراج الغاز من الآبار «المشتركة» مع الآبار اللبنانية. اما الاعتماد على التقارير فيبقى موضع شك، لأنه يمكن العثور على نفط او غاز في بئر، واكتشاف ان النفط غير موجود بكميات تجارية في بئر ملاصق له.
وبالتالي، فان حسم مسألة وجود ثروة ذات جدوى اقتصادية لا يمكن أن تتأكد سوى من خلال الحفر الفعلي. وتبين الدراسات الميدانية، ان نسبة الخيبة التي قد تصيب الشركات المنقّبة في العثور على «آبار جافة» (Dry Hole) لا تقل عن عشرين في المئة، رغم كل التقنيات المتطورة المستخدمة حاليا.
ثالثا – ان الاتفاق النفطي جاء في اعقاب الزيارة التي قام بها مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الطاقة والنفط والغاز آموس هوكشتاين، الى بيروت وعقده اجتماعات بقيت تفاصيلها طي الكتمان مع المسؤولين اللبنانيين، وفي مقدمهم رئيس المجلس نبيه بري.
في النتيجة، تفيد المعلومات ان هوكشتاين «نصح» بشدة بتجاوز الخلافات القائمة المرتبطة بطريقة التلزيم، وبرسم الحدود البحرية مع اسرائيل. وتحدث عمّا أسماه الحصة العادلة للبنان في الغاز المشترك بين لبنان واسرائيل. وتعهد بأن تحرص بلاده، بالتعاون مع من يلزم من الدول، على تأمين هذه الحصة العادلة وحمايتها من أي انتهاكات.
في عودة الى الاتفاق النفطي، هل يمكن القول ان لبنان بات على مشارف البدء في تلزيم البلوكات النفطية التي جرى الاتفاق عليها بين حركة «أمل» والتيار الوطني الحر، وهي خمس بلوكات من أصل عشرة؟ (3 في الجنوب و2 في الشمال).
بصرف النظر عن الضمانات الأميركية، من المؤكد ان هذه المرحلة ليست مثالية للبنان لكي يطلق عمليات التلزيم. ومن المؤكد ان كثافة المشاركة من قبل شركات عالمية مصنّفة فئة أولى، والتي حصل عليها لبنان عندما كان يحاول اطلاق عمليات التلزيم منذ اواخر 2012 ومطلع 2013، لن تكون شبيهة بما قد يجري اليوم، بعدما هبطت اسعار النفط من 115 دولارا للبرميل الى معدل 47 دولارا للبرميل حاليا.
وليس دقيقا ما يقوله البعض اليوم، من ان عملية اطلاق التلزيم لا تتأثر باسعار النفط الحالية لأن الاستخراج الفعلي لن يبدأ قبل 7 سنوات، وحتى ذلك الوقت لا أحد يستطيع أن يتكهّن بالاسعار كيف ستكون.
عملياً، التلزيم سيتأثّر حتما بالاسعار الحالية للنفط، مع الأخذ في الاعتبار الدراسات التي تعطي مؤشرات مسبقة عن الاتجاهات التي ستسلكها الاسعار في السنوات المقبلة. وفي الحالتين، الامور غير مشجعة. أضف الى ذلك، ان وضع شركات التنقيب العالمية ليس مريحاً حاليا، ولم تعد تملك ترف المجازفة في عقد اتفاقات غير مجزية.
وفي هذا الصدد، كشفت دراسة حديثة نشرتها شركة «ديلويت» للتدقيق والاستشارات العالمية، شملت أكثر من 500 شركة متداولة عاملة في قطاع النفط والغاز الطبيعي (الانتاج والتنقيب) حول العالم أن 175 شركة تقريبا تواجه خطر الإفلاس في نهاية العام 2016. ويصل حجم الديون المتراكمة على الشركات المهدّدة الى 150 مليار دولار.
الى ذلك، تتجنّب الشركات العالمية عقود التنقيب عن النفط الصعب، أي نفط البحار العميقة بسبب ارتفاع كلفة استخراجه. واذا كانت كلفة استخراج نفط الآبار البرية غير العميقة تصل الى 25 دولارا للبرميل، فان كلفة استخراج النفط العميق قد تصل الى 35 أو 40 دولارا للبرميل. بالاضافة الى الاستثمارات الباهظة المطلوبة في استخراج النفط العميق تحت المياه. وقد تصل كلفة حفر بئر واحدة الى مليار دولار.
هل تعني هذه المعطيات ان عملية التلزيم قد تفشل، في حال قرر لبنان اطلاقها اليوم، وان لا أمل بالافادة من الثروة الغازية والنفطية؟
الامر المؤكد ان عدد الشركات التي ستشارك في المزايدات سيكون محصورا اكثر، والعروض التي سيتم تقديمها ستكون متقشفة قياسا بأحلام اللبنانيين بالحصول على ثروة، وسيكون المردود الفعلي، في حال سارت الامور على خير، متواضعا، ولن يُحدث تغييراً جوهريا في بنية لبنان الاقتصادية.