Site icon IMLebanon

ضربات تمهّد لمفاوضات؟

 

 

ثمّة دلائل إلى أنّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد إنهاء الوضع القائم منذ 9 أشهر على الحدود بين لبنان وإسرائيل. ولكنه، بالتأكيد، لا يريد الحرب بمعناها الكلاسيكي مع لبنان. وعلى الأرجح، هو يبحث عن مبرر لوقف المناوشات الحدودية وإطلاق المفاوضات.

مثير أن يسقط الصاروخ في ملعب للرياضة في عين شمس، ويقتل 12 فتى ويجرح آخرين، إبّان زيارة نتنياهو لواشنطن، حيث سعى إلى تغطية أميركية تسمح لإسرائيل بحسم الحربين الدائرتين في غزة ولبنان.

 

ومثير أكثر أن يكون الصاروخ يتيماً ولا يتبناه أحد. فـ»حزب الله» نفى أي مسؤولية له عن الحادث، فيما يصر الإسرائيليون على تورطه، وقد نشروا هذه المرة اسم أحد مسؤوليه الميدانيين ويقولون إنه هو الذي تولى توجيه ذلك الصاروخ.

 

ويخشى بعض المتابعين أن تكون وراء مجزرة الأولاد في عين شمس «قطبة مخفية» إسرائيلية، لتحقيق هدفين: الأول، هو تحويل الأنظار عن الاتهام الذي وجّهته المحكمة الجنائية الدولية إلى نتنياهو بارتكاب مجازر حرب. والثاني، هو تبرير قيام إسرائيل بعمل عسكري مركّز في لبنان، قد يكون فرصة لإنهاء حرب الاستنزاف التي تعطّل الحياة في منطقة واسعة شمال إسرائيل.

 

ولذلك، رفع الإسرائيليون سقف تهديداتهم ضد «حزب الله» إلى الحد الأقصى. وعلى الأرجح، هم يتوقعون أن يكون رد «الحزب» واحداً من ثلاثة:

1 – أن يستوعب مسبقاً حجم الضربات التي سيتلقاها، بعدما بدت جدية ووشيكة، فيتجنّبها بإدخال الأميركيين عبر عاموس هوكشتاين ووسطاء آخرين على الخط، فيبدأ البحث في وقف الحرب والترتيبات الأمنية المطلوبة، ارتكازاً إلى القرار 1701، أو أي تسوية أخرى.

 

2 – أن يتجاهل «الحزب» تماماً هذه التهديدات. فتنفذ إسرائيل ضرباتها المقررة، ويرد عليها بضربات تشمل بنك أهداف غير معروفة في إسرائيل، ما يقود إلى مواجهات ساخنة تستمر بضعة أيام، يعود بعدها الوضع إلى ما كان عليه في بقعة الحدود، أي إلى حرب الاستنزاف.

 

وعلى الأرجح، أراد «الحزب» من طلعات «الهدهد» في أجواء إسرائيل، ولا سيما منها بقعة «كاريش» أخيراً، إفهام الإسرائيليين أنه جاهز لتنفيذ ضربات نوعية ضد مصالح حيوية في العمق الإسرائيلي، رداً على أي ضربات يمكن أن تصيب العمق اللبناني.

3 – أن يبدأ السيناريو عسكرياً، فيقوم كل طرف بتوجيه ضربات حادة إلى الآخر، لكن النزاع سرعان ما يتحول ديبلوماسياً، لأنّ أحداً لا يستطيع تحمل خسائر الحرب، ولو لأيام قليلة. وهذا ما يفرض على الجميع الانطلاق في مفاوضات حول الترتيبات الأمنية في المنطقة الحدودية. ويتردد أن الاتفاق في هذا الشأن جاهز تقريباً وهو في جيب هوكشتاين منذ أشهر، لكن «الحزب» بقي حتى اليوم يرفض إبرامه، لأنه لا يريد وقف حرب «المشاغلة» الرامية إلى دعم «حماس» في غزة. ويرغب الإسرائيليون في دفع «الحزب» إلى القبول بإبرام اتفاق حول الجنوب، ولو لم تتوقف حرب غزة.

 

ولكن، تحت وطأة الضربات الإسرائيلية، هل سيوافق «حزب الله» على فك ارتباطه بالحرب التي تخوضها «حماس» بصعوبة؟

 

العارفون يستبعدون أن يفعلها «الحزب»، ويعتقدون أن الجبهات التي تفتحها إيران ضد إسرائيل ستبقى مشتعلة معاً أو تنطفئ معاً. فـ»الحزب» لن يترك حليفته الفلسطينية وحيدة في المواجهة، أيّاً كان الثمن. وفي الأسابيع الأخيرة، بدأت طهران تستخدم ورقة الحوثيين أيضاً لإظهار قدراتهم على دعم الحلفاء في غزة. لكن إسرائيل سارعت إلى قطع الطريق على هذه المحاولة، عندما وجّهت ضربة موجعة إلى ميناء الحُديدة اليمني.

بالنسبة إلى نتنياهو، السيناريو الأول هو المفضل، أي أن يُسارع «حزب الله» إلى استيعاب الصدمة قبل وقوعها، فيخفض السقف ويقبل التفاوض، متناسياً حلفاءه في غزة. ومسافة الأيام القليلة الفاصلة التي أتاحها الإسرائيليون للرد على ضربة مجدل شمس حافلة بالوساطات الأميركية والأوروبية والعربية. لكن التسوية التي يطمح الإسرائيليون إلى عقدها مع «حزب الله» ربما تستدعي – وفق اعتقادهم- إخراجاً عسكرياً معيناً، يترجَم بضربات محددة الأهداف ومحدودة السقف في لبنان، بحيث تشكل رسائل قاسية، لكنها لا تتسبب باندلاع حرب شاملة يخشاها الجميع.

 

وفي أي حال، يجدر التدقيق في ما يريده الإيرانيون الذين هم اللاعب الحقيقي في الخلفية، في غزة ولبنان واليمن وبلدان عدة في الشرق الأوسط. فقد يستعجلون إبرام التسويات قبل انتهاء ولاية جو بايدن، لأنّ الأمور ستكون أصعب إذا عاد دونالد ترامب إلى السلطة. لكنهم، في الوقت نفسه، سيتصدّون لأي اتفاق منفرد بين لبنان وإسرائيل، إذا كان سيضعف الحلفاء في غزة. وهذا ما يترك الصورة غامضة في لبنان، ويجعل النفق طويلاً ولا تظهر فيه ملامح ضوء قريبة.