IMLebanon

إتفاق «التيار» و«القوات» مقدّمة للمصالحة المسيحية؟

قد تكون مصالحة «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» أفرحت كثيرين من الذين أرادوا تخطي مآسي الماضي وطي صفحة الحروب، إلّا أنها وبلا شك صدمت أناساً آخرين ودفعتهم الى مراجعة حساباتهم على الساحة السياسية، لكنّ السؤال الأهم هو: هل ستكون هذه المصالحة مقدّمة لإتفاقٍ مسيحيٍّ شامل؟

لطالما أحدث الخلافُ بين هذين الفريقين السياسيين شرخاً عميقاً بين أبناء البيت الواحد، ولطالما اعتقد كثيرون أنّ حصول المصالحة بينهما أمرٌ مستحيل، لكنّ اللبنانيين فوجِئوا بين ليلة وضحاها بهذا النبأ غير المنتظر، ما فتّح العيون على إمكان التفاف المسيحيين بعضهم على بعض بعد أن تصالح ألدّ الخصوم بينهم، لكن هل نضجت الظروف الملائمة لاتفاق كهذا، وما هي متطلباته وطبيعته وأهدافه؟ وأين دور المسيحيين في ظلّ النزاع الدائر في المنطقة، وماذا في إمكانهم أن يفعلوا في ظلّ النزاع الشيعي – السنّي؟

بكركي

بكركي، هذا الصرح الماروني الذي شكّل على مدى السنين مرجعاً لمسيحيّي لبنان والمشرق، وعمل دوماً على رأب الصدع، له رأيٌ مسالم في هذا الموضوع، كما عهده اللبنانيون دائماً، وعبّر عنه النائب البطريركي العام بولس صياح لـ«الجمهورية»، آملاً أن «تقود هذه المصالحة الى اتفاقٍ وطني شامل لا مسيحيّ فقط، لكن هذا الموضوع يتوقف على المسؤولين السياسيين، أما البطريرك فأوّل ما بادر اليه كان جمع الأقطاب المسيحيين الأربعة على أمل التوافق»، معتبراً أنّ «دور المسيحيين تأدية دور توافقي إزاءَ النزاع السنّي- الشيعي، ولكنّ هذا النزاع هو أبعد من لبنان».

وعن وقف الهبة السعودية للجيش، أكد صياح أنّ «البطريرك ناشد السفراء المعنيين، لكن في النهاية للبنان كرامته، وإذا أرادوا إيقافَ الهبة فهو لن يتوسّل، القرار عائد لهم، ولا يمكننا فرضه عليهم، إنما الأهم في الموضوع أن لا يُعاقب اللبنانيون الموجودون في الخليج بسبب موقف حزب لبناني، وفي حال حصل فالخليج هو الخاسر، إذ إنّ اللبنانيين يعملون فيه بجدارة وبعرق جبينهم».

«القوات»

من جهته، أكد عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا أنّ «طموح «التيار» و«القوات» أن يتوسع التفاهم بينهما ليشمل كافة الأطراف، بحيث يصبح وطنياً وليس مسيحياً فقط، لكنّ هناك حذراً من بقية الأطراف الذين توجسوا من أن يكون هذا التفاهم لأهدافٍ انتخابية لمحاولة إلغاء أحد، بعكس هدفه الحقيقي الرامي للحفاظ على كلّ مكوّنات المجتمع وتناغمها بعضها مع بعض»، معتبراً أنّ «ما يحتاج إليه اتفاقٌ كهذا لكي يُنجَز هو إثبات جدواه واتجاهاته الإيجابية ليقتنع بقية الأطراف بالانضمام إليه تباعاً».

وأوضح زهرا لـ«الجمهورية» أنّ «دورَ المسيحيين في ظلّ ما يجري في لبنان والمنطقة يكمن في أن يكونوا قيمة مضافة على صعيد الإنماء والانفتاح والتطور والحداثة ليأخذوا كلَّ المنطقة في هذا الاتجاه، وألّا يكونوا متقوقعين مجموعة خائفة على مصيرها وتتفرج على ما يجري».

وعن النزاع السنّي – الشيعي، رأى زهرا «أنّ دور المسيحيين هو دعوتهم الى مفاهيم وطنية ومدنية ما قد يخفف الاحتقان والنزاع المذهبي، في اتجاه بناء دولة مدنية تعترف بالتنوّع وتحترمه».

«الكتائب»

لا يمكن الجزم في ما إذا كانت هذه المصالحة ستؤسس لطروحات استراتيجية على مستوى أبعد، وما إذا كانت ستوصل إلى استعادة الشراكة في الدولة بين المسلمين والمسيحيين وكافة الأطراف بعد تنفيذٍ مشوَّهٍ لـ»اتفاق الطائف» خلال مرحلة الوصاية السورية، لكن ما يمكن التأكد منه هو أنّ هذه المصالحة أعادت العلاقات الطبيعية في الوسط المسيحي والتي لطالما كانت متوترة من خلال هذا النزاع التاريخي الذي دام 30 عاماً.

في هذا الإطار أيّد عضو كتلة حزب الكتائب النائب ايلي ماروني «أيّ مصالحة بين أيّ فريقين مسيحيين، و«القوات» و«التيار» هما جزءٌ من هؤلاء المسيحيين، بالتالي المصالحة بينهما مطلوبة»، آملاً أن «تكون المصالحات شاملة لأنّ المسيحي القوي مع المسلم القوي سيكوّنان لبنان القوي».

وقال ماروني لـ«الجمهورية»: «بسبب الأوضاع والظروف في المنطقة والمصاعب التي يواجهها المسيحيون في العراق وسوريا، أصبحت الأمور ناضجة جداً لإتمام المصالحات الشاملة، لكن قبل ذلك نتمنّى على العماد ميشال عون الذي يشكل جزءاً من هذه المصالحة، خصوصاً إذا كان الهدف منها تقوية المسيحيين، أنْ لا يستمرّ في تضييع الموقع المسيحي الأوّل المتمثل برئاسة الجمهورية، لأنه المسؤول الأوّل عن الفراغ والتعطيل، لذلك إذا كانت المصالحة جدّية لا بدّ من اكتمالها عبر انتخاب رئيس».

«التيار الوطني الحرّ»

لا يمكن بناءُ دولة على خلافاتٍ وخصوماتٍ عميقة بين الأحزاب والطوائف، ولذا فإنّ المصالحة إذا لم تنفع فهي بالتأكيد لن تضرّ، لكن في المقابل لا يمكن إغفالُ الأوضاع الخارجية التي تعقد الأمور مهما حاول أبناءُ الوطن تسهيلها، وفي هذا الإطار أمل عضو تكتل «التيار الوطني الحر» النائب فريد الخازن أن «يكون توجّه هذه المصالحة التأسيس لإتفاق مسيحيٍّ شامل، لكنّ هذا الأمر عائد للأطراف المعنيين في الموضوع»، معتبراً أنّ «الاتفاق المسيحي الشامل هو شعار، لذا علينا التعمّق في مضمونه، والظروف تنضج عندما تكون هناك إرادة».

ورأى الخازن «أنْ لا دور مباشراً للمسيحيين في ما يجري في المنطقة، والأولوية هي حماية لبنان واستقراره وعدم زجّه في فتنة داخلية هي مضرّة لجميع الأطراف».

«المستقلون»

المستقلون بدورهم يلعبون دوراً رئيساً في كلّ الملفات الوطنية، فهم الفئة التي قررت الخروج من الطوائف والأحزاب إلى جانب الوطن، لهم آراؤهم التي لا تتأثر بمناخاتٍ يفرضها عليهم حزب ما أو طائفة ما.

وفي هذا الإطار، تمنّى النائب بطرس حرب عبر «الجمهورية» أن «تتعمق المصالحات بحيث يصبح هناك اتفاق على التوجه الاستراتيجي لحال المسيحيين في لبنان»، معتبراً أنّ «الظروف لطالما كانت ناضجة لهذا النوع من الاتفاقات، وحتى إنها كانت تستدعي عدم نشوب خلافات في الماضي لأنّ خروج بعض الأطراف المسيحيين عن الثوابت الوطنية أوصلنا الى الواقع الذي نحن فيه».