عندما تصل المفاوضات على اتفاق بوزن الاتفاق النووي، في الدقائق الخمس الأخيرة، على النقطة والفاصلة، تقف عقارب الساعة، وخصوصاً أنّ ما بعد النجاح أو الفشل غير ما قبلهما. أغرب ما في مفاوضات فيينا أنّه في الدقائق الأخيرة، لم يعد أحد مستعجلاً، ولا يبدو أحد الطرفين خائفاً من سقوط حبّات الرمل الأخيرة. الأرجح انّهم يلعبون على أعصاب بعضهما البعض كما في الأفلام الأميركية الطويلة التي تنهمر كل المفاجآت دفعة واحدة، لتبدو العقدة الكبيرة جزءاً من الحبكة التي تجعل «القبلة« بين البطلين «القبلة» التي تعيد الحياة إليهما وتعدهما بمستقبل مزهر بالأولاد والسعادة!..
صعوبة الاتفاق في هذه المفاوضات النووية، ليست فقط في بنودها، وإنّما لأنّ المفاوضين من الوفدين يعملون تحت أنظار معارضة شرسة في العاصمتين طهران وواشنطن. هذه المعارضة لا تريد أساساً الاتفاق. معارضة الجمهوريين في واشنطن من المعدن ذاته للمتشددين في طهران. المعارضتان تعتقدان أنّ الاتفاق يصفي نفوذهما وآمالهما بقوة وبسرعة، ولكن لأن رفض المفاوضات ممنوع، فإنّه جرى زيادة وتكثيف الخطوط الحمراء. وبدت الأربعة في المئة المتبقية من الاتفاق كما حدّدها عباس عراقجي المفاوض الإيراني البارز هي الأصعب والأدق. لذلك يقول الإيرانيون «يجب احترام خطوطنا الحمراء»، في حين يرفع جون كيري وزير الخارجية الأميركي «سيف» الوقت في وجه الإيراني ويقول «لن نقفز للحصول على اتفاق ولن ننتظر إلى الأبد».
إنهاء العقوبات جزء أساسي من الاربعة في المئة المتبقية. لكن يبدو ان مسألة رفع الحظر على الاسلحة التقليدية إضافة إلى تقييد السلاح الصاروخي، قد رفع منسوب المخاوف الإيرانية من ان الهدف الفعلي للمفاوضات هو تقييد إيران وطموحاتها.
ربما أيضاً وهو احتمال قائم وتزداد أهميته ان إيران ترى في هذا الشرط، الخطوة الأولى الضرورية من مسار تقديم الضمانات السياسية والعسكرية لإسرائيل، والدخول لاحقاً في مباحثات دولية واقليمية للعثور على حل للقضية الفلسطينية. لا يفسّر هذا الرفض الإيراني ولكن لا يمكن لإيران وهي التي أثبتت أنّها مفاوض نفَسُه طويل ودقيق لا يترك كلمة دون دراسة كل حرف منها، ان تسلم بتقزيم قوّتها العسكرية التقليدية وهي في قلب أربع حروب مفتوحة وقبل التوصل إلى صيغة للتفاوض مهما طال الزمن. علي ولايتي المستشار الأول للمرشد في الشؤون الخارجية أكد ضرورة ألاّ يمسّ الاتفاق «استقلالنا وأمننا ودفاعنا».
يبدو أنّ المتفاوضين استعاروا يومَي العطلة لوضع نقطة الختام. لا شيء مستحيل أمام الفشل والنجاح. كل السيناريوات ممكنة. النجاح وإرسال الاتفاق إلى الكونغرس، ترجمته استكمال المفاوضات السياسية حول المنطقة. مهما بالغت واشنطن في تنازلاتها، فإنّ إيران لا يمكنها الهيمنة على المنطقة. العامل المذهبي الذي تحوّل إلى حزام من النار سيحول دون ذلك. مهما سلمت واشنطن واستقوت طهران فإنّ «داعش» لا تهدّد فقط المجتمعات العربية، وإنّما لاحقاً أوروبا وأميركا وأخطار أكبر بكثير من «القاعدة». لذلك لا يمكن لواشنطن إلاّ أن تعمل لخلق توازن عماده وضع سقف ثابت للطموحات الإيرانية، بانتظار الولادة الجديدة للطرف العربي.
أمّا إذا فشل الاتفاق وتمّ تمديد مهلة التفاوض إلى الخريف، فإنّ هذا الصيف سيكون مشتعلاً. إيران ستعمل على إبراز قوّتها وانتشارها، وواشنطن ستتابع لعبة الحرب من الخارج لإضعاف الجميع بما فيهم طهران. وهذا كله يفتح أمام «كرة النار« كل الطرق بانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية وتشكّل إدارة جديدة وسياسة جديدة أي حتى نهاية ربيع العام 2016. فهل إيران قادرة على خوض كل هذه الحروب مع استمرار المقاطعة؟ وماذا عن الداخل الإيراني والصراع الذي بدأ يصبح مكشوفاً على كل شيء بما فيه جدوى الإنفاق على سوريا المنهارة؟