انتخاب رئيس للجمهورية أمر مهم ووضع قانون جديد للانتخابات النيابية لا يقل عنه أهمية، فالرئيس تنتهي ولايته بعد ست سنوات من انتخابه، أما القانون فيظل ساري المفعول الى أجل غير معروف، او اذا اقتضت ظروف ومستجدات اعادة النظر فيه.
لذلك فإن الاتفاق على وضع قانون جديد عادل ومتوازن يحقق التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله أمر مهم جدا لأن على أساسه تجرى الانتخابات النيابية التي ينبثق منها مجلس من مهماته انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة ومحاسبة كل مختلس ومرتكب وفاسد، رئيسا كان أم وزيرا أم نائبا. وهذا القانون هو الذي يعيد تكوين السلطة من القمة الى القاعدة ويجعل لها هيبتها عندما تمثل تمثيلا صحيحا كل القوى السياسية الاساسية في البلاد.
لقد بات لبنان في حاجة الى اعادة تكوين السلطة، فهل يتم التوصل الى اتفاق على وضع قانون جديد للانتخابات بعدما فرض الخلاف على وضعه التمديد للمجلس النيابي مرتين وتأجيل اجراء الانتخابات بحيث بات نواب لا يمثلون ارادة ناخبيهم لأنهم مددوا وكالتهم عنهم من دون العودة اليهم. لذلك يمكن القول إن وضع قانون جديد للانتخابات النيابية تتفق عليه كل القوى السياسية الاساسية في البلاد هو أمر مهم جدا، وإلا فان استمرار الخلاف عليه يجعل الشارع يحل محل الشرعية، فتسود عندئذ شريعة الغاب، ويجعل من يعملون للفراغ الشامل يمسكون بورقة المجلس بعدما أمسكوا بورقة الرئاسة الاولى وبورقة الحكومة للضغط والابتزاز.
الواقع ان في مجلس النواب عددا من مشاريع قوانين الانتخاب، ولا شيء يمنع طرحها وطرح سواها على المناقشة لإقرار ما ينال أكثرية الاصوات المطلوبة. ومن الافضل ان يحظى كل مشروع باجماع او بشبه اجماع ليكون أساسا صالحا لاعادة تكوين السلطة. ولا مانع من أن يتم اقرار أي من هذه المشاريع حتى في غياب رئيس الجمهورية شرط ألا يصبح ساري المفعول إلا بعد توقيع رئيس الجمهورية عليه، ولا بد من ان يوقعه عندما يكون عادلا ومتوازنا ويحظى بشبه اجماع نيابي.
لقد أخذ اعتماد قاعدة النسبية في الانتخابات يحظى بتأييد الاكثرية، ولكن يبقى الاتفاق على التفاصيل وعلى عدد الدوائر وعلى الصوت المفضل. واذا كانت الاحزاب والتيارات والقوى السياسية على اختلافها باتت أقرب الى التفاهم على قانون للانتخابات، فلأن لا أحد يعرف ما سوف يكون عليه الوضع في المنطقة، ولا ما ستكون عليه الاصطفافات السياسية والتحالفات الانتخابية في ضوء القانون الجديد. فقوانين الانتخابات كانت توضع غالبا على قياس الوضع السياسي السائد، خصوصا عندما يكون لأحزاب امتداد خارج حدود لبنان. أما اليوم فقانون الانتخاب يوضع ولا صورة واضحة في المنطقة، ولا اصطفافات سياسية وتحالفات تعكس هذه الصورة. فتحالف قوى 14 آذار قام على أساس مناهضة التدخل السوري العسكري والسياسي في لبنان، في حين ان تحالف قوى 8 آذار قام على أساس ان يكون لسوريا دور في لبنان يدعم هذه القوى في مواجهة القوى الاخرى.
وما دامت صورة الوضع في المنطقة، ولا سيما في سوريا، لم تتظهر بعد، فمن الصعب معرفة صورة الاصطفافات السياسية التي قد تظهر في لبنان ولا شكل التحالفات الانتخابية التي يلعب فيها زعماء اللوائح التقليديين دورهم في تأليفها، وهو ما جعل اعتماد قاعدة النسبية الاكثر قبولا لأنها تجعل كل مرشح يعتمد على قوته الشعبية الذاتية وليس على قوة زعيم اللائحة، ولا حتى على قوة ماله. فالنسبية هي التي تكشف حقيقة حجم كل مرشح وما يمثله، ليس داخل مذهبه فقط بل داخل كل مذهب كي يصح اطلاق صفة نائب الامة جمعاء عليه لا نائب هذا المذهب او ذاك. فهل يتفقون على تحديد الدوائر التي تعتمد فيها النسبية وتلك التي تعتمد فيها الاكثرية، والى متى يظل الناس ينتظرون الاتفاق على وضع قانون للانتخاب؟ هل يحصل ذلك قبل انتخاب رئيس أم بعد انتخابه تجنبا لأي تأجيل جديد للانتخابات وتمديد آخر للمجلس فتكون نهاية الجمهورية ونهاية النظام؟!