IMLebanon

لبنان قال “الكلام الأخير” في مسودة الإتفاقيّة وينتظر حلولاً وسطيّة من هوكشتاين

لابيد رفض الإلتزام بالإتفاق خشية خسارة الإنتخابات وللمزيد من المكاسب
رفضت الحكومة الإسرائيلية الخميس الفائت التعديلات المقترحة من لبنان على العرض الخطّي الأميركي بشأن الإتفاق على ترسيم الحدود البحرية. وكانت استمرّت الإتصالات الهاتفية بين الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة للترسيم بين الجانبين آموس هوكشتاين وفريقه ونائب رئيس مجلس النوّاب الياس بو صعب والفريق اللبناني طوال الليل وحتى الصباح، بسبب فارق الوقت بين البلدين، لاستيضاح بعض النقاط، ومتابعة المستجدّات من دون أن يتبلّغ لبنان رسمياً من الأميركيين الردّ الإسرائيلي. أمّا السبب فهو أنّ لبنان قد اقترح “تغييرات جوهرية” على المسودة بتعبيرهم، ما دفع برئيس حكومة العدو يائير لابيد الى إصدار تعليماته لفريق التفاوض بالرفض. فهل يعني ذلك وقف المفاوضات وإنهائها من دون التوقيع على أي إتفاقية لا الآن ولا مستقبلاً أي نسف الإتفاقية برمّتها لا سيما في حال عاد بنيامين نتنياهو الى الحكومة وقد سبق وأعلن عن عدم الإلتزام بأي إتفاق بحري مع لبنان، وبالتالي سيؤدّي ذلك الى توتُّر أمني على الجهة الجنوبية؟!

ثمّ ما الذي حصل بين ليلة وضحاها، أي بين ما أعلنه لابيد فور تسلّمه العرض الخطّي من هوكشتاين عن أنّه “يؤمّن المصالح الإقتصادية والأمنية لبلاده مئة في المئة”، وما قاله بعد التعديلات اللبنانية بأنّه “لن يُساوم على أمن إسرائيل ومصالحها الإقتصادية”، وأنّ بلاده “لن تتنازل عن مصالحها هذه حتى إذا تسبّب ذلك بعدم التوصّل إلى اتفاق قريب”. وما هو بالتالي موقف لبنان من هذا الرفض في ظلّ إصرار الإسرائيلي على بدء عمله في حقل “كاريش” عندما تدعو الحاجة؟!

أوساط ديبلوماسية مطّلعة على ملف الترسيم البحري أكّدت أنّ العدو الإسرائيلي لا يزال يربط بين ملف الترسيم وبين الإنتخابات النيابية المقبلة التي ستجري في 1 تشرين الثاني، كما يحاول البعض في الداخل اللبناني ربط التوقيع على اتفاقية الترسيم ب “قبل انتهاء عهد عون”، لكي يُسجّل كإنجاز مهم له. ولهذا نشهد تفاؤلاً وتشاؤماً في الوقت نفسه في هذا الملف الذي لم يُفتح لكي يُقفل دون التوصّل الى اتفاقية بين الجانبين.

فرئيس حكومة العدو لابيد الذي يخشى من عدم العودة الى رئاسة الحكومة بعد الإنتخابات، على ما أضافت، تراجع عن توقيع الاتفاقية في المرحلة الراهنة، ليس بسبب التعديلات اللبنانية الجديدة، فقد كان هو مَن أدخل “خط الطفّافات” في التفاوض، ولم يكن هذا الخط مطروحاً أساساً، لا على طاولة المفاوضات ولا خلال الجولات المكوكية الأولى لهوكشتاين، إنَّما لكي لا يخسر سلفاً بسبب هذا التوقيع الذي يستخدمه منافسه بنيامين نتنياهو لكسب المعركة. حتى أنّه استفاد من تراجع لابيد عن توقيع الإتفاقية مع لبنان وعن القبول بها، بعد التغييرات اللبنانية لكي ينسب لنفسه الفضل بالتراجع عن التوقيع، في إيحاء الى الرأي العام في بلاده الى أنّه يُصحّح أخطاء لابيد، قائلاً بأنّ “الضغط الشديد الذي مارسته وأصدقائي على لابيد هو الذي دفعه إلى العدول عن اتفاق الإستسلام”.

وفيما يتعلّق بتسريع لبنان خطواته نحو توقيع الإتفاقية لكي يُنجز في عهد عون ومنه شخصياً ربّما، تقول الأوساط نفسها بأنّه لو جرى الآن أو غداً أو بعد عشر سنوات، فهو إنجاز للرئيس عون كما لحزب الله الذي يُدافع الى جانب الجيش اللبناني عن حقوق لبنان وسيادته وفق معادلة “الجيش- الشعب- المقاومة”. ولكن ما يهمّ العاملين على خط متابعة التفاصيل مع الوسيط الأميركي الحفاظ على ثروة لبنان النفطية التي هي ملك الأجيال المقبلة، كما على إنهاء الملف قبل أن يبدأ العدو الاسرائيلي بالعمل في “كاريش” من دون اتفاق أو إتفاقية، الأمر الذي من شأنه نسف الجهود الديبلوماسية المتواصلة منذ سنوات لإيجاد حلّ لهذا النزاع الحدودي، ويُنذر بمخاطر أمنية محتملة على الحدود البحرية.

وعمّا يعنيه الرفض الإسرائيلي المبدئي أو الرسمي لهذه الإتفاقية، أوضحت أنّه لا بدّ أولاً من معرفة إذا ما كان هذا الرفض نهائياً لا رجوع عنه، أو أنّه يُمكن التفاوض بشأنه، إذا لم يكن خلال الأسابيع المقبلة، فبعد الإنتخابات النيابية المرتقبة. فقد قال لابيد إنّه لن يلتزم بالإتفاق، قبل معرفة موقف الكنيست والمحكمة العليا بمسودة الإتفاقية، ليس بسبب التعديلات التي طالب بها لبنان، وليس لأنّه شعر فجأة بالغبن وبأنّ حقّه مهدور في هذه الإتفاقية، جرّاء رفض لبنان “خط الطفّافات” كونه يقع بين الخطين 1 و 23 ويلتقي أكثر بالخط 1 الإسرائيلي، أو مطالبته بالخط 23 كاملاً أي مع بكامل البلوكات الحدودية 8 و9 و10، أو بحقل “قانا” كاملاً أو غير ذلك، إنَّما لأنّه يريد تحقيق المزيد من المكاسب على حساب لبنان. فلا يكفي الإسرائيلي أنّ لبنان تنازل عن الخط 29 القانوني والثابت وكلّ ما تتضمّنه مساحة الـ 1430 كلم2 التي تقع بين الخطين 23 و 29، بل يودّ الاستيلاء على كامل المنطقة الحدودية التي ليس له أي حقّ فعلي فيها كونها تابعة لفلسطين المحتلّة من قبله.

وبرأيها، إنّ لبنان قال “الكلام الأخير” في مسودة الإتفاقية بما يضمن حقوقه البحرية الطبيعية، وقدّم تنازلات الى الجانب الإسرائيلي ليس لأنّه ضعيفاً، على العكس تماماً، بل لأنّه يودّ أكل العنب ودخول نادي الدول المصدّرة للنفط والغاز وتحسين وضعه الإقتصادي والمالي والاستفادة من الفرصة السانحة لتوقيع اتفاقية الترسيم البحري، وليس لأنّه يريد قتل الناطور. وهو بالتالي يقوم بالدفاع عن ثروته النفطية والبحرية ولا يتعدّى على العدو للإسرائيلي الذي يسعى الى ابتلاع حقوق الآخرين في كلّ إتفاقية يعقدها مع طرف آخر. كما أنّه لن يُبدّل موقفه هذا إلّا إذا اقترح الاميركي حلولاً لا تأتي على حسابه، إذ تكفيه خسارته لنصف حقل “كاريش” من دون أن يحصل على أي مقابل مالي أو عيني.

لهذا فإذا لم يتمكّن لابيد من إنهاء التفاوض قبل الإنتخابات المرتقبة، فسيكون بإمكانه استكمالها في حال فوزه، على ما عقّبت الأوساط عينها، من دون أن يخشى من انتقادات نتنياهو. أمّا إذا ما عاد نتنياهو، فيبدو أنّ الأمور ستتعقد بعض الشيء وقد نعود الى نقطة الصفر. ولكن في المقابل، ويصبح بإمكان لبنان عندها أيضاً العودة الى الخط 29 الذي لم يتنازل عنه حتى الآن سوى شفهياً وليس خطياً، ويقوم بتعديل المرسوم 6433 ويودعه لدى الأمم المتحدة.

ورأت بأنّه من مصلحة الجميع استمرار التفاوض، وليس نسف مسودة الاتفاقية بشكل كامل، وإن كان كلّ جانب يتمسّك بمطالبه وحقوقه البحرية. أمّا الرفض الاسرائيلي فمن شأنه زيادة القلق حول مصير إتفاقية الترسيم من جهة، كما الشكوك بالتالي حول استمرار الأمن والإستقرار عند الحدود الجنوبية، خصوصاً مع إصرار العدو الإسرائيلي على القول بأنّه لا يتفاوض مع لبنان على حقل “كاريش”، وبأنّه لم يكن جزءاْ من المفاوضات، وبأنّه سينتج الغاز منه في أقرب وقت ممكن. فما الذي سيكون عليه موقف لبنان عندها إذا ما بدأت محرّكات سفينة “إنرجين” بالعمل في “كاريش”، وكيف سيتصرف حزب الله الذي هدّد بضرب المنصّة في حال بدأت بالعمل قبل حصول لبنان على حقوقه السيادية؟!