IMLebanon

الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية لا يكفي ما لم يقترن باتفاق على قيام الدولة

يقول سياسي مخضرم عاصر عهوداً عدة إن الأزمات في لبنان لا يحلها مجرد الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، ولا مجرد إجراء انتخابات نيابية او تشكيل حكومة، إنما الاتفاق على كيف يمكن العبور الى الدولة القوية السيدة الحرة المستقلة، ولا يبقى العبور اليها يمر بالدويلات والميليشيات أو بوجود دولة مستعارة وأمن مستعار كما عاش لبنان زمن الوصاية السورية وهو يعيش اليوم زمن وصاية السلاح خارج الدولة على الدولة.

لذلك يرى السياسي نفسه انه يصير اتفاق أولاً على إقامة الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها لتكون فعلاً دولة، ومن ثم الاتفاق على الرئيس الذي يصلح لهذه الدولة. فمنذ عام 2005 الى اليوم لم تنجح محاولات العبور الى الدولة لأنه وقف في وجهها حملة السلاح خارج الدولة تحت ذرائع شتى منها: مقاومة اسرائيل وحماية المخيمات الفلسطينية من أي اعتداء يقع عليها والدفاع عن النفس بحجة ان الدولة عاجزة وحدها عن ذلك.

لقد رفعت قوى 14 آذار شعار العبور الى الدولة منذ سنوات، لكنها لم تنجح في تحويل هذا الشعار قرارا لأن قوى 8 آذار، وتحديدا “حزب الله” ليس في وارد التخلي عن سلاحه ما لم يعرف أي دولة ستقوم في لبنان وما هي سياستها الداخلية والخارجية، وهل تستطيع وحدها صد عدوان اسرائيلي يقع عليها، وظل الحزب على هذا الموقف منذ أن خرجت القوات السورية من لبنان وخرجت معها الوصاية عليه، ولم تغير هذا الموقف لا نتائج انتخابات 2005 ولا نتائج انتخابات 2009 التي فازت فيهما قوى 14 آذار بأكثرية المقاعد النيابية وظنت بعد هذا الفوز انها تستطيع العبور الى الدولة والخروج من حكم الدويلات في المناطق التي تسيطر عليها. لكن قوى 8 آذار تصدت لها باصرارها على تشكيل حكومة منها كأقلية ومن 14 آذار كأكثرية بدعوى تحقيق “الشراكة الوطنية”، اذ لا يجوز في رأيها ان تستأثر فئة وإن كانت أكثرية في اتخاذ قرارات مهمة من دون رأي الاقلية، والا تحولت الاكثرية ما يشبه الديكتاتورية، عدا ان لا ديموقراطية عددية يمكن تطبيقها في ظل الطائفية.

وهكذا مضى عهد الرئيس السابق ميشال سليمان وشعار ” العبور الى الدولة” ظل شعارا ولم يتحول قرارا نافذا الى ان عاد الامل بإمكان تنفيذ هذا الشعار عندما صدر قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1701. لكن لا سوريا ولا حلفاؤها في لبنان ارادوا تنفيذ هذا القرار بكل مندرجاته لأنه يجعل الحدود مع سوريا هادئة كما اصبحت مع اسرائيل لأنه تم تنفيذه في الجنوب فقط. فكانت النتيجة ان ظلت حدود لبنان مع سوريا سائبة ومفتوحة لكل متسلل ولكل مهرب اسلحة وغير اسلحة، ومفتوحة خصوصا لكل سوري هارب من بلاده خوفا على حياته بعد اندلاع الحرب الداخلية فيها ليصبح اللجوء السوري غير المنضبط وغير المراقب والمنظم عبئا ثقيلا امنيا واقتصاديا على لبنان.

وعندما حاول الرئيس سليمان التصدي لهذا الخطر باصدار “اعلان بعبدا” عن هيئة الحوار الوطني لتجنيب لبنان تداعيات ما يجري في سوريا، وتشكلت حكومة برئاسة نجيب ميقاتي سميت “حكومة حزب الله” دعت في بيانها الوزاري الى اعتماد سياسة “النأي بالنفس” ترجمة لمضمون “اعلان بعبدا”، انبرى “حزب الله” الممثل في الحكومة الى مخالفة هذه السياسة وقرر ارسال مقاتلين منه الى سوريا ليقاتلوا الى جانب النظام ضد الثائرين عليه، ما زاد الانقسام السياسي والمذهبي حدة في لبنان وفتح الباب للعمليات الانتحارية ولأعمال العنف والتفجير داخل لبنان بحيث كادت ان تشعل فتنة لولا وعي اللبنانيين أنفسهم وكرههم الشديد لها بعدما ذاقوا الامرين من حروب داخلية دامت 15 سنة وكانت عبثية ومدمرة. وقد رد الرئيس بشار الاسد على سياسة النأي بالنفس ساخرا ليؤكد ان لبنان لا يستطيع البقاء خارج النار السورية، وصارت ترجمة هذا الموقف بقرار صدر عن ايران وسوريا معا بوجوب تدخل “حزب الله” في الحرب السورية لأن دمشق كانت على وشك السقوط في ايدي المعارضة المسلحة.

وعلى رغم مخالفة ركن من اركان حكومة ميقاتي سياسة النأي بالنفس، فإنها استمرت لأن دقة المرحلة وخطورتها لا تسمحان باستقالتها وليس من السهل بالتالي وفي ظل الظروف السائدة الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، وهو ما حصل اذ ان الحكومة برئاسة تمام سلام لم يتم التوصل الى اتفاق داخلي وخارجي على تشكيلها الا بعد مرور 11 شهرا.

لذلك فإن السؤال المهم المطروح هو: هل يتم التوصل الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، والاتفاق ايضا على كيف يستطيع مع الحكومة التي يتم تشكيلها العبور الى الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها على كل اراضيها ولا يبقى سلاح غير سلاحها ولا قانون غير قانونها كي يصح القول ان الدولة القوية تجعل رئيسها قويا وجيشها قويا، والا كان عهده امتدادا لعهود سابقة. والعبور الى الدولة طريق شاقة وطويلة لأن هذا العبور يتطلب تنفيذ القرار 1701 كاملاً ووضع استراتيجية تضبط السلاح خارج الدولة وتقرر اي نوع من انواع الحياد او التحييد تريده.