IMLebanon

إتفاق «سايكس – بيكو» صامد في مئويته الأولى!؟

قبل أربعة أعوام على اتّفاق سان ريمو 1920، كان اتّفاق سايكس – بيكو بين وزيرَي خارجية بريطانيا وفرنسا مجرّد تفاهم سرّي برضى روسي، واعتُبِر منذ قيامه عام 1916 اتّفاقاً وهمياً لاقتسام الأمبراطورية العثمانية، قبل أن تكرّسه «عصبة الأمم» في 24 حزيران 1923 وأنجِز بصيغته في اتّفاق لوزان في نيسان 1923. وعشية مئوية الاتّفاق ما هي التحدّيات التي يواجهها؟

في الذكرى السنوية المئوية لاتّفاق سايكس ـ بيكو تتزاحَم الأسئلة وتتعدّد الروايات حول مصير الحدود الدولية المشتركة التي رسَمها هذا الاتّفاق عندما توزّعَت دول الانتداب البريطاني والفرنسي المنطقة، بعدما ألغى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») الحدود السورية ـ العراقية قبل عامين تقريباً واقتربَ من إلغاء جزء من الحدود اللبنانية ـ السورية في تلال عرسال في 2 آب 2014، وهو على مسافة أيام على الاحتفال بالذكرى السنوية الثانية لقيامها في 2 حزيران 2014.

من بين النظريات المتداوَلة في هذه المرحلة، أنّ الاتّفاق بما رسَمه من حدود دولية بقيَت معتمَدة على مدى 98 عاماً قد انتهى، وأنّ ما يجري في سوريا بات على قاب قوسين أو أدنى من تغييرات تنهي مفاعيله الحدودية في وقتٍ تؤكّد روايات وسيناريوهات أخرى أنّ سايكس ـ بيكو ما زال من المعاهدات المقدّسة التي ستتجاوز المطبّات التي تواجهها في هذه المرحلة أياً كان حجمها.

وفي اعتقاد مراجع دولية تتابع باهتمامٍ بالغ مسائلَ الحدود السورية مع دول الجوار السوري، وخصوصاً على طول الحدود اللبنانية ـ السورية والعراقية، أنّ الالتزامات الدولية ما زالت قائمة بما هو مكرّس حدودياً، وأنّ التلاعب بهذه الحدود ليس له ما يبرّره في هذه المرحلة بالذات، أيّاً كانت تداعيات ما يجري في سوريا، فالدويلات القائمة حاليّاً على الأراضي السورية ليست سوى مرحلة تاريخية عابرة.

وعليه، نُقِل عن أحد العسكريين السابقين المشاركين في فريق عمل متعاقد مع الأمم المتحدة، مكلّفٍ متابعة ملفّ الحدود اللبنانية – السورية، أنّ الاهتمامات الدولية ما زالت مجمِعة على وحدة الأراضي السوريّة، وأنّ التلاعب بالحدود أمرٌ تجاوزَته هذه المراجع منذ سنوات رافقَت تشكيل الحِلف الدولي القائم ضد «داعش» بالإضافة إلى مختلف المجموعات الإقليمية التي نشأت منذ أن اندلعَت الأزمة السورية ومدّت يدها إلى الداخل السوري دعماً للنظام أو المعارضين على حدّ سواء، وأنّ مناقشات سَبقت هذه المرحلة تناولت هذا الموضوع ولم تأتِ على ذِكر أيّ تغيير حدودي.

ولتبرير هذه النظرية لا بدّ من الوقوف عند الملاحظات الآتية:

– رفض الرئيس الأميركي كلّ المشاريع التركية الخاصة بإنشاء «المناطق الآمنة» على طول الحدود السورية ـ التركية، ولفتَ في أكثر من مناسبة طرِحت فيها هذه المسألة في أنقرة والرياض والدوحة إلى أنّ بلاده لا يمكن أن تشارك في أيّ التزامات تفرضها المواصفات الدولية لمِثل هذه المنطقة، ومنها مسألة الحدود التي ستكون في خطر.

– الرفض الروسي المماثل والذي تجلّى برسم الخطوط الحمر أمام طائرات الحلف الدولي، والتركية تحديداً، إثر العملية العسكرية الجوّية التي باشرَتها في الأوّل من تشرين الأوّل الماضي والتي عرِفت بـ «عاصفة السوخوي»، ما وضَع حدّاً نهائياً لمناقشات سبقَتها ورافقتها حول أهمّية الحفاظ على حدود سوريا الرسمية مع جيرانها، وأنّ البحث في مثل هذه العنوان أمرٌ غير وارد على الإطلاق.

– تراجع كلّ المشاريع التي كانت تهدف إلى التلاعب بوحدة الأراضي السورية وقيام كيانات مستقلّة كرديّة وسنّية وعلوية إلى ما قبل طرحها، وها هي مفاوضات جنيف بعد فيينا وسلسلة المؤتمرات الأخرى التي تتناول الملف السوري بكلّ جوانبه الإنسانية والسياسية والاقتصادية قد كرّست هذه المسألة وأقفلت كلّ أشكال النقاش فيها من خلال ما هو مطروح من تعديلات يمكن ان تصيب النظام السوري المطروح على بساط البحث في الطريق إلى ما عُرف بـ «سوريا الجديدة».

الى هذه الملاحظات التي تُجمع عليها كلّ القراءات الديبلوماسية، تبقى هناك إشارة واضحة إلى أنّ تركيبة الحلف الدولي بما لفرنسا وبريطانيا من دور فيه قد حسمت هذا التوجه لتبقى هناك أسئلة أخرى تتناول هذا الموضوع من بوّابة الموقف الإيراني من الوضع في سوريا بعدما تبيّن حجم الدور العسكري لطهران بالأصالة وبالنيابة عنها إثر ظهور الأثمان المدفوعة مباشرةً منها ومن حلفائها في «حزب الله» في أكثر من منطقة سوريّة على مساحة المواجهات المفتوحة بين المتقاتلين.

وإلى المعطى الإيراني ثمَّة مَن يؤكّد أنّ الإيرانيين حريصون على الحدود التاريخية لسوريا وجيرانها في آن، وأنّ هناك مواقف واضحة وصريحة تدين أيّ تغيير حدودي أياً كانت الظروف التي قد تفرضه يوماً ما، وهي لم ولن تعترف بهذه المسألة يوماً.

وعلى هذه الخلفيات وأمام إجماع المتورّطين في الأزمة السورية على عدم المسّ بالحدود الدولية، يظهر جلياً أنّ اتّفاق سايكس ـ بيكو ما زال قائماً وأنّ التلاعب فيه يفرض متغيّرات ليست على جدول الحسابات الحاليّة ولا المقبلة، وأنّه كان وسيبقى أقوى من المتغيّرات الجغرافيّة التي ستعود وتنتظم على أساسها في وقتٍ قريب بات مرهوناً بالقدرة على تدمير «داعش» وإضعافها متى انتهى الدور الذي أوكِل إليها، وقد لا يكون بعيداً، بالأثمان المتوقعة وهي كبيرة جدّاً، وإنّ الأشهر المقبلة ستثبِت ذلك.