تبدو الانظار شاخصة هذه الايام على «اختبار النيات» لجهة ترجمة تسوية «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم» التي تم التوصل اليها في ملف النفايات والتي عكست برسوّها على حل وسط وجود قرار حاسم بمنع سقوط الحكومة «مهما كان الثمن» أقلّه في المرحلة الراهنة.
وفيما بقي الوضع الداخلي متأثرا بالمنخفض الجوي والاهتمامات مركزة على احوال الطقس ومصير العاصفة، غرق مجلس الوزراء في بنود الخطة الموضوعة لمعالجة النفايات من جانب وزراة البيئة، من دون ان يتمكن من الانتهاء من هذا الملف، بعد اعتراض وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق على التقسيمات وتحديدا منطقة بيروت الادارية والكبرى، فيما بدت الامور متجهة نحو ازمة حقيقية مزدوجة، اذ ان الرئيس تمام سلام رفض الدعوة الى جلسة جديدة اذا لم يتم ايجاد حل للملف في حين بشر الوزير وائل ابو فاعور بأزمة كبرى رافضا التمديد لمطمر الناعمة ومصرا على اقفاله في الموعد المحدد.
وكانت جلسة الحكومة، التي شهدت «توثيق» تبادُل قبلات بين ابو فاعور وحكيم بصورة التقطها احد الوزراء، انعقدت بحسب مصادر مطلعة، على اساس نجاح جهود الوزيرين سجعان قزي واكرم شهيب، بناء على مبادرة الاول، في جمع بو فاعور وحكيم لفض السجال المحتدم، على خلفية الحد الادنى من التضامن الوزاري والحفاظ على استمرار العمل الحكومي بوتيرته المعهودة، والحؤول دون تفجرها من الداخل، رغم سخونة ملف النفايات، المتوقع بان يشهد المزيد من الاخذ والرد، قبل الاتفاق على آلية عملية وموضوعية لهذا الملف الشائك.
في تفاصيل الجلسة، تقول المصادر ان النقاش الايجابي الذي بدأ بالاتفاق على توزيع المناطق الى خمس بحسب ما اقترح الوزير شهيب بعد اعتراض وزير الداخلية والبلديات على تقسيم العاصمة الى بيروت الكبرى وبيروت الادارية، ليقترح عندئذ شهيب ضم بيروت الكبرى الى ضاحيتيها، وبقية بعبدا مع الشوف وعاليه، والمتن مع كسروان وجبيل والابقاء على محافظتي الجنوب والنبطية معا وبعلبك والهرمل. وافق الوزراء على التقسيمات الجديدة بمن فيهم وزراء «الكتائب» الذين اعترضوا مع وصول النقاش الى تحديد المناطق التي يمكن أن تخصص للطمر، فاقترح شهيب العودة الى دراسات سابقة اعتبرت الكسارات والمقالع القديمة والمرامل مناطق صالحة للطمر، على أن تعود الشركة المسؤولة عن الطمر الى مجلس الوزراء الذي يعود إليه القرار، فوافق الوزير الان حكيم بناء على اتصال بالنائب سامي الجميل، فيما اعترض الوزير سجعان قزي بعد اتصال بالرئيس امين الجميل مغادرا الجلسة لارتباط مسبق. ومع عودة وزير العمل استؤنف النقاش، مع اعتراض الوزير حكيم ، حامل كلمة السر الكتائبية، على توزيع الشركات والعقود، بعد اقتراح وسط للوزير محمد فنيش، لاسباب بسبب غياب الشفافية، بعد اتصال جديد بالنائب الجميل.
وأضافت: «هكذا انتهت ست ساعات من الأخذ والرد و التناقض بين وزراء الكتائب فرضته الاتصالات من خارج جلسة الحكومة حول كل فاصلة ونقطة ما بين إيجابية من هنا وسلبية من هناك لتضيع الجلسة و«تطير» خطة النفايات ما افقد رئيس الحكومة تمام سلام صبره للمرة الاولى، رافضا استمرار النقاش على ما هو عليه وخروج الوزراء عند كل فاصلة للاتصال بمرجعياتهم، رافعا الجلسة مهددا بعدم بحث اي بند آخر قبل الاتفاق على ملف النفايات، في ضوء موقفه الذي كان المح اليه في سياق إمكان تعديل الآلية الحالية لعمل الحكومة (الإجماع) من أجل اتخاذ القرارات بالتصويت.
مصادر كتائبية اكدت ان لا خلاف داخل الحكومة حول مكافحة الفساد باعتبار أن كل الافرقاء متوافقون على وجوب السير بها، لافتة إلى أن الاختلاف في وجهات النظر يكمن في الأسلوب المتبع، مشيرة الى ان وزراء الحزب يقاربون ملف النفايات المطروح بكل موضوعية وايجابية، بروحية من التعاون مع الجميع للبحث عن حلول وتسويات تؤمن المصلحة العامة وتحفظ حقوق المواطن من جهة والدولة من جهة ثانية، بعيدا عن التشنج ومحاولات التهويل وفرض الامور من خلال سياسة «الحشر في الزاوية التي دأب البعض على ممارستها بشطارة»، كاشفة انه تم الاتفاق مع وزير البيئة محمد المشنوق، خلال لقائه بالرئيس الامين الجميل ووزراء الحزب ونوابه على عدة نقاط سيصار الى تعديلها في دفتر الشروط، والتي في ضوئه عقد الاجتماع التقني بين النائب سامي الجميل وممثلي وزارة البيئة ومجلس الانماء والاعمار لوضع ما اتفق عليه حيز التنفيذ.
من جهتها كشفت مصادر مستقلة مطلعة على تفاصيل الملف عن ان «حشر» الجميع واغراقهم في مئات الصفحات من دفاتر الشروط على بعد ايام من انتهاء عقود «سوكلين» وارتباطها بموعد اقفال مطمر الناعمة، دل بما لا يقبل الشك الى «قطبة مخفية» اعد لها لاستمرار فرض امر واقع معين، عززته ملاحظات الكتائب من جهة، رفض الاشتراكي التمديد للمطمر من جهة ثانية، وما بينهما اصرار رئيس الحكومة على التمديد التقني.
ورأت المصادر ان اقرار دفتر الشروط وتطبيقه، وصولا الى اختيار اماكن المطامر وتجهيزها، امر يحتاج الى وقت، سيملؤه تكدس النفايات في الشوارع من دون تمييز بين الانتماء المناطقي والسياسي والطائفي، ما سيولد «انفجارا» شعبيا يؤمن المخرج للجميع بعد ان احرجوا انفسهم، فيتم تمرير التلزيمات والسير بخطة وزير البيئة، على ان تحتفظ «سوكلين» بحصة جبل لبنان وبيروت من النفايات، على ان ترثها «لافاجيت» في محافظة الشمال، و«ان.تي.سي.سي» في محافظة الجنوب، بانتظار الوريث البقاعي.
رحلت «زينة» وحل مكانها منخفض جوي سياسي، «طيّر» معه جلسات مجلس الوزراء مع قرار رئيس الحكومة تمام سلام الذي نفد صبره للمرة الاولى رفع جلسات مجلس الوزراء وتعليقها حتى حل مسألة النفايات، لينتقل البلد من اجواء الامن الغذائي الى اجواء النفايات، وما يجعل الامر اكثر سوءا هو القفز الى اللامركزية الادارية من دون التحضير لها وعن طريق النفايات على قاعدة كل منطقة «تدبر نفاياتها».
بانتظار الحل، يبدو ان البلاد مقبلة على أزمة نفايات، اذ ان القضية أبعد من شروط وبنود حول من يحدد مكان المطامر الدولة أم المقاول، بدليل التوصل إلى صيغة تحفظ للدولة حق تحديد النقاط المخصصة للطمر. فمن يفكك العقد أمام ملف النفايات؟ وهل هي تنافس كتائبي داخلي ساحته الحكومة هذه المرة؟
تعددت الاسباب لكن النتيجة واحدة : النفايات ستغمر الطرقات. فهل يتخطى مجلس الوزراء خلافاته أم أنه مستعد كما قال الوزير دو فريج لطمر نفسه في مطمر الناعمة في حال استمر الفشل في ايجاد الحل.