ما شاء الله… على هذه «الزيارة» التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قادما من منبع الدين الإسلامي الحنيف، إلى القاهرة، عاصمة العروبة في كل حال وكل حين.
نكاد ألاّ نصدّق عدد وحجم وأهمية الاستهدافات الاستراتيجية المتوقعة من الاتفاقيات التي تم توقيعها ما بين مسؤولي البلدين بحضور ورعاية رئيسيهما الذين حققا من خلال اللقاءات الحاصلة فيضاً من الإنجازات الشاملة التي لو جُمِعَتْ في تقييم واحد لخُيّل إلينا أنها مقدمة لاتفاقية «وحدة عربية» متكاملة قد تحققت مع تقدم العلاقات وتطورها ما بين بلدين إسلاميين – عربيين شقيقين، يختصران فعاليات العالم العربي في أيامه المضطربة الحالية، ويبقيان الحلقتين الأكثر وعيا وقوة وصلابة وإيمانا بواجبهما القومي والوطني في مواجهة الأخطار المدلهمّة التي تطاول العالم العربي، وخاصة منه، بلاده المشرقية، وبكل مؤامرات التزاحم على اختراقه وكيل الضربات الموجعة له خاصة في اليمن وسوريا حيث طاولتهما الأطماع والحروب من كل حدب وصوب.
ولئن قُدّر لليمن الشقيق أن يجد له عونا وسندا ومدافعا عن وجوده ضد مؤامرات ومغامرات الآخرين على أرضه، متمثلا بالمملكة العربية السعودية وما أطلقته من موقف عسكري فاعل ومعبّر من خلال «عاصفة الحزم» وتوابعها من الإجراءات العسكرية والسياسية، ولئن كان استهداف اليمن قد جاء استهدافا للدولة السعودية وأراضيها بكل مقدساتها وتاريخها الإسلامي ودورها الوازن في محيطها العربي وامتداداتها المعنوية باتجاه الدول الإسلامية، ويكفي أن نشير إلى دورها المتحالف مع دول الخليج وأدوارها المراقبة والمتحفزة والفاعلة، تجاه الأحداث والتطورات الحاصلة في كل من العراق وسوريا ولبنان، والمدى الواعي والحريص والمناهض للمطامع والطموحات التي تتشارك فيها ضد الأمة العربية في هذه الأيام، بأوزان وأشكال وتطلعات مختلفة، كل من روسيا وإيران والمنظمات الشيعية المناصرة لها، مضافا إليها تواطؤ للولايات المتحدة لم يعد خافيا على أي مراقب، حيث سلّمت أمر سوريا وشؤونها وشجونها إلى روسيا، وتخلّت عن كل اهتماماتها في هذه المنطقة تاركة لروسيا تمثيلها في الحرب الضروس في سوريا الآيلة، إذا ما استمرّت على حالها من التواطؤ والتفاهم المشبوه، إلى تحطيم سوريا كليا وتقسيمها والتهامها قطعة قطعة، وسط صمت مريب للمجتمع الدولي ما زال مستمرا رغم محاولات تستير عيوبه وذنوبه بكل هذه المؤتمرات التي ما زالت تطفح منها روائح الغدر والاستغلال والتآمر.
ما شاء الله على هذا الحجم الحاصل لكثير من «معالم وحدوية»، ولو بحدود، معظمها اقتصادي وتنموي ما بين بلدين شقيقين، وحدة بمعالم جديدة، حديثة المظهر حكيمة الخطوات، بعيدة التطلعات. وحدة عملية تبدأ بمشروع الجسر الواصل ما بين المملكة السعودية وجمهورية مصر العربية مخترقا البحر الأحمر على مدى عشرة كيلومترات، بجملة من المشاريع الناقلة للأشخاص والبضائع بشتى صفوف الحافلات ومن بينها «السكة الحديد»، هذا المشروع الإستراتيجي هو واصل واقعي وحقيقي، خال من الشعبويات القوليّة ومتمثل بلقاء مصالح رئيسية بين البلدين لا تستند إلى الكلام والخطابات المعسولة والمثيرة للحماس الفارغ والصياح المتفلّت المتمثل بإطلاق شعارات لا تستند إلى أي ركيزة اقتصادية وبنيوية وتطويرية يتم من خلالها معالجة الثغرات التي استندت إليها معظم العلاقات العربية في المعالجات القومية والوطنية السابقة، لذلك اتسمت منذ ولادتها ونشأتها بالهزال والاهتزار، كما أدّت إلى فشل التجارب مختلفة الأحجام والمستويات التي مرت بالعالم العربي في مراحله السابقة، الأمر الذي أدى بالنتيجة إلى تراجع عربي خطير في المجالات كافة، والأمر الذي اختلقته ومن ثم استغلته جميع القوى المعادية والمتآمرة على العالم العربي وفي مقدمتها إسرائيل والإدارات الأميركية المختلفة وبشكل خاص إدارة أوباما المتسمة بالجبن والتلاعب وخيانة المواثيق الواقعية التي ربطت معظم فعاليات العالم العربي والإسلامي بالولايات المتحدة على مدى عقود طويلة، من دون أن ننسى ذلك المقتحم المستجد، المستعمر الروسي الجديد، شريك النظام السوري بكل جرائمه وآثامه.
وبقدر ما نعطي أهمية عسكرية واقتصادية وإعمارية متمثلة خاصة في الاتفاقيات والبروتوكولات التي عقدت ما بين البلدين، إضافة إلى مشروع جسر الملك سلمان الرابط بينهما ربطا أبديا لا فكاك له، لم تخل الزيارة من الاهتمام الواضح والشديد بالجانب المواجه لحركات الإرهاب التي أطلت بأخطارها الجسيمة على العالمين الإسلامي والعربي في المرحلة الأخيرة وصلا منها إلى العالم كله، وكانت مستجلبة لمعظم هذا الخراب والدمار والقتل والإبادة التي سادت في كثير من المواقع العربية وتكاد أخطارها تطل باحتمالات جسيمة واسعة على لبنان من خلال حدوده مع سوريا، وقد ركزت كلمة خادم الحرمين الشريفين على وجوب محاربة هذا الإرهاب المختَلَق والمصطنع والمفبرك وخصّص في كلمته إشارات للجهود المبذولة لمحاربة الإرهاب في إطار إسلامي شامل تتقدمه وتحمل رايته بيد محاربة ومواجهة الدولتان الرائدتان في رمزيتهما الإسلامية مصر والسعودية، وكانت زيارة العاهل السعودي للأزهر الشريف، تأكيدا إضافيا على الجهود الحثيثة التي تبذلها كل من المملكة وجمهورية مصر العربية لتصفية منابع الفكر الإسلامي من أدران التشوّهات التي ألحقتها بها الآراء والأفكار والإيديولوجيات والممارسات الإرهابية، مع سعي مشترك وحثيث لترسيخ لغة الإسلام الحقيقية، لغة الاعتدال والسماحة، لغة الإنسانية الحقيقية في وجوهها القديمة والحديثة وتطوراتها الحضارية على مدى الأزمان منوهين في الوقت نفسه بزيارة العاهل السعودي لبابا الأقباط وهي زيارة نوعية برمزيتها وتوجهاتها نحو ترسيخ وحدة الأديان وسموّها وقدسيتها، وقد صفّق نواب مصر الذين زارهم جلالته في مقر البرلمان المصري، تقديرا لهذه المؤسسة المصرية العريقة، حيث شاء جلالته توجيه تحية إلى الشعب المصري من خلال البرلمان المصري هذه المؤسسة العريقة بالذات، كونها ممثلة للشعب وتطلعاته، وهو الذي أظهر ترحيبا غير مسبوق بهذه الزيارة الحافلة بالنتائج المذهلة والحيوية، والتي من شأنها في حال تحققها أن تساهم إلى حد بعيد في سدّ الثغرات الحياتية والاقتصادية المختلفة التي يعاني منها أشد العناء.
ما شاء الله، على هذا الحجم المتطور من العلاقات، اللهم زد وبارك، فما شهدناه في المرحلة الأخيرة يشكل فأل خير وبركة وتوجها في طريق من التعاون الحقيقي والمنتج، وأملا مشرقا في خدمة مصالح البلدين الشقيقين وتطورها.
ملاحظة أخيرة: ونحن نرى ونسمع عن تطور العلاقات السعودية المصرية بهذا الحجم وهذا القدر وهذا الأفق الواعد نقارن بينها وبين ما هو حاصل في العلاقات اللبنانية – السعودية التي تراجعت وتعطّلت وعزلت لبنان عن محيطه العربي وحطّمت مصالحه وقواعده الاقتصادية التقليدية التي سار عليها منذ نشأته وعلى مدى العقود والسنوات والتطورات، ملاحظة نذكرها فقط ليعلم ذوو الشأن والتسبّب، أي منقلب ينقلبون، ويقلبون البلاد وأهلها جميعا… رأسا على عقب.