شكّلت العقوبات الاميركية على بعض الاسماء السياسية المنتمية لمختلف الطوائف، ارباكاً كبيراً، على صعيدهم الشخصي وعلى مستوى التيارات او الاحزاب السياسية التي ينتمون اليها. ولعل اكثر الاطراف التي تضررت من العقوبات هو “التيار الوطني الحر” الذي بطبيعة مسار الامور اللبنانية يدخل رئيسه الوزير السابق جبران باسيل في سباق رئاسة الجمهورية.
انتهج باسيل بعد القرار الاميركي سيناريوات سياسية مختلفة لم يغص في تفاصيلها، خصوصاً ما يتعلق بالعلاقات مع روسيا. فكانت خطابات مودّة بالاتجاه الاميركي عبر مواقف منسقة مع حليفه “حزب الله” تنتقد الحزب وتُوحي بأن التحالف الثنائي نحو الطلاق الخلعي. اوراق “التسوية” مع واشنطن لم تعط اي بادرة ايجابية، بل اقفلت سفارة بيروت خطوطها بوجه باسيل وعمدت الى تزكية مرشحين منافسين له يتمتعون بحيثيات وقبول شبه جماعي من الاطراف المؤثرة في الساحة، ما انعكس قناعة من رئيس “التيار” بأن حظوظه لم تعد قائمة وان قصر بعبدا كسر احلامه، الا اذا حصلت متغيرات دولية واقليمية وداخلية وهو أمر مستبعد للغاية..
الخيار الثاني لباسيل والوحيد، كون العالم العربي سبق الولايات المتحدة بالعقوبات والفيتوات على رئيس الجمهورية وعليه، كانت روسيا. موسكو التي عادت الى منطقة الشرق الاوسط سياسياً وعسكرياً، واصبحت في الآونة الاخيرة محجّة اللبنانيين، اتجه باسيل نحوها. نُظّمت له زيارة متكاملة بكل عناصرها، واعتبرها الطرف الروسي بأنها ناجحة ومهمة، الا ان باسيل ابقاها ونتائجها في دائرة مصالح محدودة لا تتعدّى “التيار” ودوائره!
تعاطت روسيا حتى اليوم ومنذ دخولها الى سوريا بالملف اللبناني من باب المصلحة المشتركة البحتة، وظلّت على تماس مع الجهات الرسمية كافة ولم تُقفل بابها مع اي طرف اراد التواصل معها. لكن في المقابل، كان التعاطي اللبناني يدور في فلك السلبيات التي تطرح اكثر من علامة استفهام، اذا ما وضعنا في اولوياتها “الحسابات الشخصية مع الاميركيين”.
ومع زيارة وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الى روسيا، في اول زيارة رسمية خارجية له منذ تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، تبرز امامه استحقاقات كثيرة، كفيلة في حال طَرحَها او وقّع على مضامينها، ان تنقل العلاقات الروسية ـ اللبنانية الى برّ الجدّية بالتعاطي على اسس تحمل حُسن النية ووضوحاً بطبيعة اي تعاطٍ طبيعي بين بلدين.
على طاولة بو حبيب اليوم ما هو عالق على مدار وزراء دفاع وخارجية في حكومات سابقة. اتفاقية تعاون عسكري وافقت عليها قيادة الجيش اللبناني ووزارة الدفاع الوطني عام 2017، وأنجزت كافة المراحل في الوزارات المختصة وأحيلت عام 2018 الى مجلس الوزراء للموافقة على توقيعها من قبل وزير الدفاع الذي بدوره احالها على وزارة الخارجية بتاريخ 15/4/2020 لابداء الرأي. وعلى مرّ السنوات، بقيت هذه الاتفاقية في اطار”الحفظ والصون”ورقياً..
وبعد دوامة جديدة من المراسلات والتي جاء ابداء الرأي فيها ايضاً ايجابياً، وفي ظل مراجعات مستمرة من الجانب الروسي، ترسو الاتفاقية في الخارجية مجدّداً وهي تحتاج فقط الى قرار توقيعها والتعاطي بجدّية ومسؤولية، علماً ان الطرف الروسي يعتبر الاتفاقية قاعدة قانونية من شأنها ان تُعطي الدفع لتطوير العلاقات بينها وبين لبنان.
من هنا، يصلح سؤال وزير الخارجية عما اذا كانت الزيارة الى موسكو تأتي من باب ضيّق ولأجل هدف معيّن، ام لفتح ابواب واسعة للبلد، علماً بأن هذه الاتفاقية لا تتضمن اي اعباء او التزامات مالية للبنان، ولا تُلزم الاطراف بأي شيء خارج مفاهيم الصداقة بين الدولتين؟