Site icon IMLebanon

دُلّلت وتدلّلت سابقاً… ما هو دور المديرية العامة للتعاونيات؟

 

جمعيات زراعية وهمية وأخرى تعاني الشلل

بدأت الحركة التعاونية في لبنان في العام 1939. وها نحن في الـ 2023. نطرح الرقم الثاني من الرقم الأول فنحصل على 84 عاماً. وضع البلد اليوم «تعتير» والناس يعودون الى الريف ظنّاً منهم أنه ملاذ في المحن. وبدأوا يسألون عن دور التعاونيات في تحقيق النمو الزراعي في قراهم والصمود فتبيّن لهم أن القطاع التعاوني لم يرقَ هو ايضاً الى مستوى التوقعات منه حين أنشئ. بالمختصر،لا شيء في البلد،»ماشي». فهل نحن أمام حركة أصابها الشلل منذ رأت النور؟

يقول العارفون إن الحركة التعاونية أنطلقت بزخم لكنها ما لبثت أن واجهت عوائق ومطبات عديدة حالت دون محافظتها على مسارها التصاعدي، فبدأ سكان الريف النزوح في ظل تمويل غير هادف يضمن إستمرارية هؤلاء في قراهم. تاريخياً، ترعى القطاع التعاوني نصوص قانونية بينها قانون الجمعيات التعاونية ومرسوم تطبيقي متعلق بالجمعيات التعاونية وآخر متعلق بتنظيم دورات تدريبية وثالث متعلق بآلية تقديم وزارة الزراعة مساعدات الى الجمعيات القائمة وصناديق التعاضد واتحاداتها. في كل حال، لمن لا يعرف هناك في وزارة الزراعة مديرية عامة للتعاونيات. فما هو دورها؟

 

تتضمن تلك المديرية المشروع الأخضر الذي أنيطت به أعمال التحريج وشق الطرقات الحرجية واستصلاح الأراضي الزراعية ومساعدة المزارعين لاستكمال الأعمال اللازمة لأراضيهم بغية استثمارها والإستفادة من خيراتها. وهناك أيضا مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية التي أنيط بها إجراء البحوث العلمية والتطبيقية الأساسية للتطوير والنهوض بالقطاع الزراعي في لبنان وذلك تحت إشراف وزير الزراعة.

 

كل ذلك والقطاع الذي دعانا من دعانا الى العودة إليه يعاني الأمرّين. فما حال الجمعيات التعاونية الزراعية في البلاد؟

 

تعاونيات قائمة وأخرى وهمية

 

فلنسأل إبراهيم الترشيشي الذي يصرخ باسم المزارعين من الوجع عن دور التعاونيات في النجدة؟ يجيب «التعاونيات الزراعية موجودة من «زمن وزمان» وحين أتى الإتحاد الأوروبي أعلن عن تقديم مساعدات الى كل تعاونية تقوم بمشروع فعال، حينها تأسست عشرات التعاونيات، بأعداد لا تعدّ ولا تحصى، أكثر من 125 واحدة وقدّمت لها المساعدات والمساهمات من الإتحاد الأوروبي. الجمعيات التي تأسست قسمان: قسم فعال وموجود على الساحة وقسم آخر وهمي للإستفادة من مساعدات الدولة ووزارة الزراعة والهبات التي تأتي من الخارج». ويستطرد: «وجود التعاونية الفاعلة غاية في الأهمية لأنها تساعد على الإعفاء من ضرائب كثيرة وضريبة الدخل والشحن والإستيراد والتصدير والمحاسبة، كما أنها تأتي بمردود للمزارعين تشتري البذور بالجملة وتبيعها لهم بأسعار منخفضة كذلك الأمر في بيع المبيدات والأدوية، التعاونية ضرورة للزراعة والمزارعين في كل المناطق والمكسب من وجودها كبير، خصوصاً إذا سارت على النظام التأسيسي للتعاونية. والجيد أن المساعدات التي تصل الآن الى لبنان باتت تتوجه أولاً بأول الى التعاونيات».

 

خلص العتب

 

ماذا عن دور وزارة الزراعة والدولة في الإلتفات الى التعاونيات الزراعية في البلد؟ يتكلم الترشيشي من الآخر: «فلنكن واقعيين ولنتكلم بصراحة. نحن لا نعتب على هذه الدولة. موظفو وزارة الزراعة لا ينزلون الى مكاتبهم سوى يوم واحد- أو يومين- في الاسبوع، وبالغصب عن أنفسهم. فماذا يمكننا أن نطلب منهم والحال هكذا؟ نطلب منهم أن يفتشوا على التعاونيات؟ بلد «مبومر» فلتان على قاعدة سرّ وعين الله ترعاك. لا نريد شيئاً منهم إلا إبقاء المرفق يعمل ولو بحده الأدنى. لا نريد إلا شهادات المنشأ وورقة الحجر الصحي والمختبرات تظل تعمل وتصدر النتائج الصحيحة. هذا كل ما نريده وأقصى ما يمكن أن نطلبه. لا تعتبوا ما في حدا».

 

ما في حدا. فلنتابع عمل التعاونيات الزراعية في المناطق علنا نراها مجدية أم لا. رئيس التعاونية الزراعية السابق في بشعله جان رزق يقول عن إشراف وزارة الزراعة على التعاونيات الزراعية «صفر». يعطيها هذه النسبة مؤكداً «على أن الكلام كثير والفعل قليل. إنه مجرد كلام على الفاضي. ولو لم تكن هناك جمعيات خاصة NGO تتبرع لكان حالنا بالويل». نترك رزق الذي غادر من موقعه وأتى روني فرنسيس مكانه يتحدث عن إنجازات التعاونية الزراعية في بشعله. فبماذا يعلق الرئيس الجديد؟ روني فرنسيس شاب مليء بالحيوية – معارفه يقولون ذلك – أما هو فيقول: «دورنا يتعلق بكلِ الشؤون الزراعية من زراعة الى تصنيع وتصدير وتربية مواشٍ ونحل ودجاج. والتعاونية مثلها مثل شركة مساهمة، يشارك فيها كل الأعضاء، وعددهم في تعاونية بشعله 105 أعضاء ويستطرد: في حال بقي في نهاية العام خميرة في صندوق التعاونية نشتري بها مواد – مثل «الكيماوي»- لتسهيل أعمال المزارعين».

 

الأولوية للمنتسبين

 

نحاول أن نفهم أكثر دور التعاونية الزراعية في هذا الزمن البائس الذي يصرخ فيه المزارعون من الألم. ما دور هذه الدولة في التنسيق مع الجمعيات الزراعية؟ يتحدث فرنسيس عن نظام داخلي لدى التعاونية يفرض إيلاء المنتسبين إليها الأولوية على سواهم. وبالتالي، في حال قدمت الدولة مساعدات تقسّم الحصص والكميات على الأعضاء. هذا في المبدأ، غير ان تعاونية بشعله تعمل على منح المساعدات لجميع المزارعين بعدل، فالكل أقارب وأصحاب، هكذا يحصل عادة في القرى والبلدات».

 

جميل التعاضد والتضافر. لكن، نستمر في محاولة فهم طبيعة التعاونيات الزراعية أكثر في بلد عائم على فردية في التعاطي. المديرية العامة للتعاونيات موجودة في وزارة الزراعة في بيروت. نسأل عن دورها بدقة بعيدا عن التعميم المستخدم في البلد، الذي لا يسمح لنا أن نفهم شيئاً من شيء لكن الإجابة تأتي كما العادة «مفتوحة». وكي يُسهّل المسؤول في وزارة الزراعة أمره وأمرنا يعطينا كتيبا عن دور المديرية العامة للتعاونيات. علينا إذا أن نكتفي بالمكتوب وفيه: «تعنى المديرية العامة للتعاونيات في وزارة الزراعة بدعم متوسطي ومحدودي الدخل من خلال إنشاء ومراقبة الجمعيات التعاونية وإتحاداتها ومساعدتها نقدياً وعينياً بهدف تطوير مشاريعها المتوسطة والصغيرة الحجم، وضمان إستدامتها، بالإضافة الى تطوير قدراتها من خلال تدريب أعضائها والمساعدة في تسويق إنتاجها من خلال إقامة معارض، كما تعنى بإنشاء ومراقبة صناديق التعاضد ومساعدتها ماديا على تحقيق أهدافها المحددة في القوانين والأنظمة التعاضدية».

 

المكتوب يُقرأ من عنوانه. هذا في الأمثلة الشعبية. أما عندنا فالوضع مزر. نبحث بين التعاونيات الزراعية الفاعلة في القرى والبلدات أو الموجودة اسماً بلا أفعال، علنا نكتشف ما لم نتمكن بعد من إستيعابه عن دور المديرية العامة للتعاونيات وإنجازاتها في وقتٍ نسمع فيه أصواتاً مكررة عن وجوب العودة الى الأرض. نقصد بلدة زوطر المجاورة لمدينة النبطيه في الجنوب، ونتعرف إلى «التعاونية الزراعية زوطر الغربية». فماذا عن نشاطاتها؟ ثمة إعلان لها: «تتوفر شتول وبذور للحاكورة حتى نفاد الكمية». ونعود ونسمع عن دور التعاونية الإرشادي في تعليم تحضير صوص البولونيز لمحبي الباستا. ونعرف أن في زوطر سبانخ بلدي من صنع أبو أيمن. ونقرأ إعلانا آخر للجمعية فحواه: إزرع بصل وانسَ يلي حصل. أسرار زراعة البصل تقدمها الجمعية.

 

إلى تنّورين

 

إذا، للجمعية الزراعية أدوار وأدوار. فلنقصد تنورين، ماذا عن نشاطات التعاونية في منطقة مطبوعة بإنتاج التفاح وترزح تحت عبء تصديره؟ يرأس ريمون نهرا تعاونية التفاح في تنورين وتضم 104 أعضاء، يمثلون بعض مزارعي البلدة. ودور التعاونية كبير وكثير. العام الماضي تدبرت التعاونية أمر تصريف التفاح واشتغلت على صناعة دبس التفاح ونبيذ التفاح وفكرت بصناعة القماش من زفت التفاح أيضا.

 

جميلٌ أن تعمل التعاونيات الزراعية على نجدة نفسها بنفسها من خلال أعضائها المزارعين لكن نعود الى السؤال الأول: هل يمكن لمن قرروا العودة اليوم الى الأرض الإتكال على دولة ووزارة؟ دور المديرية بحسب روني فرنسيس المراقبة والمساعدة. يفترض أن تكون السند وتراقب العمل. الآن، تغيرت أمور كثيرة وبات المزارع يعمل بطريقة أكثر شفافية ووضوحاً من ذي قبل، من أجل التأكد من الجدوى الإقتصادية ويحصل على ضمانة بأن كل قرش سيضعه في المشروع سيكون مثمراً. أصبح المزارعون- وتعاونياتهم- يتكلون الآن على انفسهم على نطاق البلد بعدما كانوا يتدللون في السابق على الدولة ولا يبالون- لا هم ولا هي- بدقة الجدوى».

 

الدولة قد تكون دللت ناسها من قبل لكن، هي فعلت ذلك وقبضت ثمنه. فكم من بلدة تقاسم اشخاص من الدولة مال مشاريعها. وهذا ليس دلالاً بل فساداً.

 

تعاونيات قضاء البترون

 

في البترون يعددون اليوم الجمعيات التعاونية ايضا بحسب إحصاء اجرته المديرية العامة للتعاونيات عام 1998. هناك جمعيات تعاونية في بلعا – شاتين وفي كفرحلدا وغوما وراس نحاش ودوما ومحمرش والعلالي ومراح الحاج وحردين وأصيا ونحلا ورشكده وحلتا وكفرشيلمان وعورا وكفرحتنا وشبطين وراشا ورام وصورات وعرطز وحدتون وكور وبيت شلالا وبقسميا وتحوم…. وما يلفت هناك ان نشاط معظم تلك الجمعيات التعاونية متوقف منذ أعوام. ولدى سؤال أحد ابنائها: ماذا يحول دون تجديدها؟ كان جوابه : التعقيدات الإدارية… أو، في اختصار، موت الدولة.

 

نختم؟ بدأنا وانتهينا ولم نعرف دور المديرية العامة للتعاونيات واقعياً في «انتشال» المزارعين من كبواتهم. فكل ما يصدر عنها، أقله في الأعوام القليلة الماضية، ليس إلا كلاماً.