طرْح شعبوي لا يرقى إلى برنامج تنمية
دعا السيد حسن نصرالله الشعب اللبناني إلى خوض “معركة إحياء قطاعَيّ الزراعة والصناعة لمواجهة الجوع”، معلناً أن “حزب الله اتخذ قراراً بخوض معركة التقدم زراعياً وصناعياً”. وهكذا بخطاب واحد، انتقل لبنان من آمال كونه بلداً نفطياً إلى أحلام تحوّله إلى بلدٍ زراعي وصناعي مُصدّر. لكن بين السراب والواقع، يصارع المزارعون والصناعيون اللبنانيون منذ ما قبل الخطاب بأشهر، شاكين استنزاف قطاعاتهم ومناشدين المصرف المركزي توفير السيولة بالعملات الصعبة لاستيراد المواد الأولية الصناعية أو لشراء الأعلاف والأسمدة.
بالأرقام الصادرة عن وزارة الزراعة، لا تنفق الدولة اللبنانية أكثر من 1% من موازنتها على القطاع الزراعي، حيث أن 70% ممن يعملون في الزراعة هم بحاجة ماسة للعمل في قطاعات أخرى لسدّ حاجاتهم، أما 71% من الأراضي اللبنانية فتستحوذ عليها 10 زراعات فقط وقيمتها الربحية متدنية جداً. أما التهريب إلى سوريا عبر المسالك غير الشرعية وبرعاية صاحب الخطاب، فـ”على عينك يا دولة”. فما مدى جدية طرح نصرالله؟ وكيف ستُترجم الكلمات الرنانة أفعالاً؟
وزارات هامشية
يؤكد الباحث محمد شمس الدين من الدولية للمعلومات لـ”نداء الوطن” أن وزارة الزراعة تعتبر من الوزارات الهامشية في لبنان بكل المجالات من موازنة وكوادر بشرية وتجهيزات، نتيجة النظرة السطحية إلى أهمية القطاع الزراعي وإلى دور الوزارة في تعزيزه وتطويره. ناهيك عن هبوط حجم الأعمال في القطاع الصناعي ابتداء من العام 2012. ويضيف: “إن تحوّل لبنان من مستورد إلى مصدّر سيستغرق عملاً ووقتاً واستثماراً وهو طرح لا يتحقق بين ليلة وضحاها. فأرقام الاستيراد على مدى الثلاثين عاماً الماضية (2020-1990) مرتفعة جداً حيث وصلت قيمة الاستيراد إلى 355 مليار دولار، مقابل صادرات لم تتجاوز 64 مليار ليرة أي بعجز بلغ 291.4 مليار دولار. كما واستصعب فكرة أن يكون لقطاعي الزراعة والصناعة القدرة على انتشال لبنان من الأزمة المالية والتضخم الذين يعاني منهما، إذ ان الأرقام والبيانات المالية والنقدية الحالية مقلقة، ومن أخطرها ما وصفه شمس الدين بـ”ارتفاع حجم النقد اللبناني المتداول خلال الأشهر والسنوات الماضية، إذ تطوّر حجم هذه السيولة بالليرة اللبنانية في السنوات الماضية حيث ارتفع حجمها من 3,253 مليار ليرة في 3 حزيران 2010، إلى 24,999 ملياراً في 4 حزيران 2020 أي بارتفاع مقداره 21,746 مليار ليرة ونسبته 668%.
في السياق، كانت قد أعلنت النائبة بولا يعقوبيان انها ستتقدم باقتراح قانون معجل مكرر لزراعة أراضي الدولة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتساءلت ما إذا كانت كتلة “الوفاء للمقاومة” ستدعم وتصوّت مع اقتراح – القانون قائلةً: “هل سيمر هذا القانون الذي يقي من شبح المجاعة؟” “سنخوض البقدونس معك”… “نحنا بليل اليزرع خضرا”… وغيرها من النكات والصور المُعدّلة الساخرة انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي مع تصدّر هاشتاغ “الجهاد الزراعي”. “تراند” رقم واحد فور اعلان السيد نصرالله المقاومة الزراعية والصناعية. أما هاني عضاضة من مجموعة “لحقّي” فاعتبر أن “خطاب نصرالله ليس مدعاة للسخرية، بل هو مدعاة للخوف”. لأنه، برأيه، “خطاب شعبوي قادر على إقناع كل من يفتقدون لأولويات المعرفة الاقتصادية، أي الجزء الأكبر من المجتمع، بأن التوجه الذي يحدده صاحب الخطاب هو “الحل”، كما إنه خطاب يلاقي الحاجات النفسية والمعنوية للناس، بينما هم بحاجة إلى تحولات جدية وملموسة في بنية النظام السياسي والاقتصادي وليس في وظائفه فقط، وهم أيضاً بحاجة إلى محاسبة من تسببوا بالانهيار بدلاً من توزيع اللوم والخسائر بالتساوي بين الناهب والمنهوب”.
وأكمل قائلاً: “وظيفة الخطاب الشعبوي الأساسية هي إطالة زمن صمود المنظومة بعد اهتراء معظم خطوطها الدفاعية، فبدل التركيز على ما تراكم من ثروات تعرضت للنهب والسرقة، وجزء منها موجود في البلد، وهي المفتاح الأساسي في استعادة قدرتنا جميعاً على المبادرة ومواجهة الانهيار بخطى ثابتة، وخطط حقيقية قابلة للتطبيق على مستوى لبنان بأكمله، يتمّ التركيز على التأثير الإيديولوجي ومعنويات الجماهير المتعبة والجائعة، عبر الوعود والتطمينات المستمرة على طريقة رياض سلامة قبل بدء انهيار الليرة، ومن دون الغوص في أي من تفاصيل وتكاليف الطروحات التي ترمى بعشوائية منذ سنوات”.
لسنا بحاجة لزراعة بدائية
من جهته، وفي حديث مع “نداء الوطن” إعتبر جاد داغر( حزب سبعة) ان “الحل لا يمكن ان يأتي على يد مسببي الانهيار، وان المعالجة تبدأ بتغيير الطبقة السياسية المسؤولة ومحاسبتها واستعادة أموال الدولة المنهوبة منها”. وبرأيه “أموال الشعب لم تتبخر بل هي موجودة على شكل ممتلكات وأسهم شركات أو في حسابات بنكية في الداخل والخارج. فلا يكفي ان نتكلم فقط عن بعض الحلول التقنية. فالمشكلة في لبنان سياسية وليست تقنية. فنتمنى على أركانها التوقف عن عرض خبراتهم التقنية في الزراعة وغيرها عبر ندوات متلفزة.
وتابع داغر: “نعم نريد صناعة وزراعة وهذا نعرفه ولكن متى؟ كيف نستفيد من خطاب السيد نصرالله وغير السيد نصرالله اذا لم تقم الحكومة بخطوة واحدة في هذا الاتجاه؟ نحن لسنا بحاجة لزراعة بدائية قروية. نحن بحاجة لزراعة ذكية وصناعية تتطلب افضل التكنولوجيات والمعدات واجهزة الري الذكية…والماء! كيف يكون ذلك ممكناً إذا كنا لا نستطيع حتى استيراد اجهزة طبية للحالات الطبية الخطيرة؟ وحتى المازوت؟ وماذا عن الكهرباء؟ نقول للسيد نصرالله: إن حزبك جزء من الطبقة السياسية المسؤولة عن انهيار لبنان وانتم برأينا مسؤولون أساسيون عن حماية الفاسدين. وكل محاولات ربط فقر الناس بالصراع الاقليمي لن تنفع. فلو انكم لم تغطوا الفاسدين لسنوات طويلة ولم تشاركوا في الفساد عبر مشاركتكم في القرار، لكانت اموال الناس في المصارف ولكانت الخزينة بخير. وانهى داغر قائلاً: “ما زلنا نرى في حزب سبعة أن الحل الوحيد يكمن في انتخابات نيابية مبكرة بادارة نزيهة وبعض التعديلات على القانون الانتخابي، لتغيير مصدر كل السلطات، مجلس النواب”.
طحين البطاطا
بعد ان نشرت “نداء الوطن” مناشدة عشرات المزارعين البقاعيين والعكاريين، الذين تخوّفوا من تلف أكثر من نصف محصولهم من البطاطا هذه السنة لعدم وجود أسواق للتصريف، غردت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد على حسابها على “تويتر”، طارحةَ فكرة تدخل الدولة لشراء المحصول وتحويله لطحين لإضافته الى طحين القمح بهدف تخفيف الإستيراد والوصول إلى “االإكتفاء”. ولكن سرعان ما اتضح أنها “فكرة غير جديرة بالتطبيق” فما الفرق بين فكرة الوزيرة وطرح السيد نصرالله؟
في هذا الإطار، يقول النائب والصناعي ميشال ضاهر لـ”نداء الوطن” إن “لا فرق بين الطرحين، طروحات بريئة لا تمت إلى الواقع بصلة. فمصنع تحويل البطاطا لطحين يحتاج استثماراً عالياً كما يحتاج وقتاً لا يقل عن السنتين، أما الجهاد الزراعي والصناعي كفكرة هو طرح عظيم، لكن الاقتصاد لا يكون حقيقة منتجاً إلّا إذا كان قادراً على أن يكون له موقع تنافسي على ساحة التجارة الدولية، بمعنى أن تكون لديه القدرة على التصدير، فلو افترضنا أنه بقدرة قادر استطاع “حزب الله” دعم الزراعة والصناعة مالياً إلى أين سنصدر انتاجنا الصناعي او الزراعي وقد قطعت العلاقات مع الخليج، وأوروبا غير متحمسة لمساعدتنا؟ هل سنصدر إلى العراق أم مصر؟”. ويضحك ثم يكمل شارحاً: “لا يملك المزارعون القدرة على زراعة الموسم المقبل من البطاطا فما بالك بتنشيط القطاع ككل؟ هذا انفصال عن الواقع! فقد طالبت لسنوات عدة بالغاء كل الاتفاقيات مع الدول التي تغرق سوقنا المحلية بسلع مستوردة مدعومة من دون جدوى، فكيف سنتحول من اقتصاد ريعي إلى منتج وآلية عملنا وتفكيرنا وسياساتنا تتنافى تماماً مع هذا التحول المطلوب. لذا قبل التنظير العشوائي علينا أن نسأل: هل يمكننا زيادة قدراتنا التنافسية لقطاعات الإنتاج السلعي أو إقامة برنامج تنمية حقيقي لقطاعي الزراعة والصناعة، هل يمكننا دعم الصادرات الصناعية والزراعية بمعدلات الدعم المعمول بها في معظم دول العالم المنافسة للصادرات اللبنانية؟”. وختم قائلاً: “نحن لسنا ضد الصين أو ضد التوجه شرقاً لكن أسواق التصريف ومصالحنا ليست معها”.
وتساءل عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب بيار بو عاصي عن انجازات “حزب الله” في الزراعة والصناعة بعد تولي وزراء “الحزب” أمور هذين القطاعين أكثر من مرة من سنة الـ2009 حتى 2019 قائلاً عبر حسابه على “تويتر”: “يا سيد شو فوّقك عالزراعة والصناعة؟ 10 سنين لتطلع باستنتاج الزراعة على البلاكين والسطوح؟! وصناعة زراعية الارجح سقفها الكبيس والمكدوس؟! يمكن اذا شدينا حالنا ودخلنا بعصر شوشة الذرة وعنق الكرز المغلي، نستغني عن استيراد الادوية! يا سيِّد عندك مشكلة فعليّة بتشخيص الوضع وباقتراح الحلول وبتنفيذها. ما تواخذنا بس شعبنا بدو يمشي لقدام ومش رح ينطرك”.
إلى ذلك قال النائب وهبي قاطيشا في حديث مع “نداء الوطن” إن “الطبقة الحاكمة كانت وما زالت غير مبالية بقطاعات الإنتاج السلعي وخصوصاً الزراعة والصناعة، وذلك بمن فيهم حزب الله، إذ برز لسنوات تهميش الإنتاح السلعي في توزيع الإعتمادات المالية العامة على الوزارات التي تعاقب وزراء الحزب وحركة أمل عليها… لذا هذا الكلام عن أهمية الزراعة والصناعة ما هو الا “علك إعلامي”، إذ إننا لم نرَ في الحكومة المدعومة من “حزب الله” أي عمل جدي أو تطبيق لإستراتيجيات تدعم هذين القطاعين، فما الفائدة من الخطابات المتلفزة التي لا وزن لها تطبيقياً”. وأضاف: “كيف يمكننا تجميع ماء في سلة “مفخوتة” كذلك الأمر كيف يمكننا دعم الصناعة والزراعة وهناك مسالك غير شرعية تسرح وتمرح عليها بضائعنا المدعومة، وهناك هدر جمركي في المرفأ والمطار؟ أليس الأجدر بنا الإصلاح أولاً؟”.