IMLebanon

الزراعة والصناعة في لبنان: صمود في وجه الحرب وتحدّيات التعافي

 

 

في ظلّ الحرب الحالية في لبنان، تُعتبَر الطرق المؤدّية من البقاع إلى جميع أنحاء لبنان من الأمور الحيوية التي يجب توفيرها على الصعيدَين الأمني واللوجستي، إذ تعتمد هذه الطرق وتتغيّر بناءً لتحدّيات الظروف الحربية اليومية، كما أنّها تتأثر بالأحوال الجويّة.

 

طريق الأرز، وهي الطريق الوحيدة السالكة في ظلّ الحرب على البقاع، تُغلَق في فصل الشتاء بسبب تراكم الثلوج. أمّا طريق ضهر البيدر فهي خطرة نسبياً وتتعرّض إلى قصف شبه دوري.

 

نتيجة لذلك، أكّد وزير الزراعة عباس الحاج حسن لـ«الجمهورية» أنّ الاعتداء الإسرائيلي أثّر على القطاع الزراعي في شقَّيه النباتي والحيواني في كلّ من محافظة النبطية، البقاع الأوسط، الجنوب وبعلبك الهرمل.

 

وأكّد أنّ إسرائيل استخدمت في اعتداءاتها القنابل المحرّمة دولياً (الفوسفور الأبيض الحارق) والقنابل العنقودية. كما وزاد أنّ المزارعين لم يكن بمقدورهم الوصول إلى محاصيلهم وجنيها، بالإضافة إلى الحرائق التي وصل عددها إلى 1518 بين حريق كبير وصغير في 712 بلدة لبنانية، وقضت على 7200 دونم من الغطاء النباتي الحرجي والمثمر، منها 3220 دونماً كتقديرات أولية أحرقت بالكامل.

 

وتكشف الوثائق التي حصلت عليها «الجمهورية» أنّ 60000 شجرة زيتون احترقت، بعضها معمّرة إلى 300 عام، وذلك من دون احتساب البقوليات والموز والزراعات الأخرى وسهول القمح والشعير. كما تضرّرت أكثر من 2000 خيمة زراعية.

 

بذلك، تبيّنت بحسب الوثائق التي حصلت عليها «الجمهورية»، أنّ نسبة 32% فقط من المساحة المزروعة لم تتأثّر بشكل مباشر وهي في مناطق جبل لبنان، عكار والشمال، بينما 47% تأثّرت بشكل محدود في البقاع وبعلبك الهرمل، و21% تأثّرت بشكل مباشر وكبير في محافظتَي الجنوب والنبطيّة.

 

كما أكّد الوزير الحاج حسن أنّ المساحات الدائمة في محافظتَي الجنوب والنبطية تشكّل 62% من إجمالي المساحة المزروعة، ممّا يعني أنّه سيكون لها أثر على المدى القريب والبعيد، لأنّها استُهدِفت، أسوةً بمحافظتَي الجنوب وبعلبك الهرمل، بنسبة 100%.

 

أمّا في محافظة البقاع فالمساحات الدائمة استُهدِفت بنسبة 50%، وكانت الاستهدافات أكثر محدودية في باقي المحافظات. لكن ظهرت خسائر على صعيد الثروة الحيوانية على جميع أصعدتها (جدول الماشية).

 

وأضاف الحاج حسن أنّ المزارعين لم يتمكّنوا أيضاً من التحضير للمواسم، ممّا أضعف الإنتاجية وأثّر سلباً على الاقتصاد اللبناني، مضيفاً أنّ التقديرات الأوّليّة تشير إلى أنّ هناك ضررَين، مباشراً وغير مباشر، على القطاع الزراعي بنسبة 70% بحسب تقديرات منظمة الـ«فاو».

 

وذكر وزير الزراعة: «بدأنا في 8 تشرين الأول 2023 برصد الحرائق وعمليات الاعتداء والدمار الذي يلحق بالبنى التحتية الزراعية والقطاع الزراعي كلّه. كما استقينا معلوماتنا من موظفي الوزارة المنتشرين بكافة المحافظات المتضرّرة والدفاع المدني والبلديات والهيئات الاختيارية، لكنّ هذه الأرقام تصيب بنسبة 85% وهي لا تكفي، فعند وقف إطلاق النار تتمكّن الوزارة من القيام بمسح دقيق».

 

وأضاف الوزير: «نتيجة لذلك باشرت منظمة الـ«فاو» إجراء مسح جوّي عبر الأقمار الصناعية بمساعدة من وزارة الزراعة والمجلس الوطني للبحوث العلمية CNRS في لبنان، وهي قيد التنفيذ في الأيام المقبلة للوصول إلى أرقام دقيقة».

 

دعم المزارعين والتعويضات

أمّا عن الإجراءات التي تتخذها الوزارة لدعم المزارعين المتضرّرين من الحرب وتعويضهم عن الخسائر، ذكر الحاج حسن أنّ الوزارة تعمل جاهدةً وتفكّر بتحويل بعض الأموال التي رُصِدَت لمشاريع لاستدامة القطاع الزراعي كمساعدة طارئة للمزارعين، لكنّ الأمر في طَور النضوج من قِبل الهيئات المانحة والمنظّمات الدولية.

 

 

أمّا بالنسبة إلى سلاسل التوريد الزراعية وصعوبة نقل المنتجات داخل لبنان، أجاب الحاج حسن أنّها تأثرت بشكل كبير وواضح في ما يخصّ البرّ، إذ إنّ العدوان الإسرائيلي طالَ منطقة المصنع وعدّة معابر حدودية في الشمال الشرقي من لبنان مع سوريا، التي كانت تشكّل شرياناً حيويّاً في ما بينها، لأنّها الوسيط بين المنتجات اللبنانية والعراق والأردن وغيرها.

 

بالإضافة إلى ذلك، شدّد الوزير الحاج حسن على أنّه ومنذ بدء الحرب يعمل على تأمين شاحنات لتنقل الخضار والفواكه، وأشار إلى أنّ الوضع حتى الآن مقبول، لكنّ هناك ضرراً كبيراً في بعض السهول نتيجة القصف المركّز عليها.

 

ختاماً، أوضح الحاج حسن أنّ الصادرات تتأثّر إلى حدٍّ ما في ظلّ الحرب، لكنّ نسبة الصادرات لا تزال مقبولة نوعاً ما على عكس ما هي عليه برّاً إذ تعرّضت المعابر إلى القصف الإسرائيلي، ولم تستطع الدولة إعادة الترميم بسبب عدم إمكانية ذلك في وسط الحرب. وذكر الوزير أنّه من قبل وحتى الآن يتطلّعون نحو الأسواق في سبيل توسيعها وزيادتها.

 

خسائر القطاع الصناعي

من جهته، أوضح وزير الصناعة جورج بوشكيان أنّ ضرر الحرب على القطاع الصناعي اللبناني يمتدّ أبعد من الأضرار المباشرة، ليشمل الأضرار غير المباشرة، إذ تأثّرت سلاسل توريد المواد الأولية كما خطوط التصدير نحو الخارج مع انخفاض حركة المطار. وأضاف أنّ وزارة الصناعة في صدد القيام بمسح للمصانع التي طالها قصف العدوّ.

 

وفي الحديث عن معدّلات الإنتاج الصناعي في محافظات الجنوب، النبطية وبعلبك الهرمل، كشف بوشكيان لـ«الجمهورية»، أنّه بناءً على الاتصالات التي أجرتها الوزارة، فإنّ 85% من مصانع هذه المناطق قد توقّفت عن العمل. وأشار إلى أنّها قامت بمخطّطات لتأمين استدامة عملها مثل الانتقال إلى أماكن أخرى. كما أكّد أنّ وزارة الصناعة تعمل على تسهيل المعاملات الإدارية من أجل دعم القطاع في هذه المرحلة الحساسة، وأنّ المصانع تأثّرت بحسب أماكن تواجدها، ففي مناطق الشمال مثلاً لم يتضرّر أيّ منها.

 

في ما يتعلّق بالاستثمارات والخوف من انسحاب المستثمرين في مناطق البقاع والجنوب وبعلبك الهرمل، أوضح بوشكيان أنّه من الطبيعي جداً أن تتأثر الاستثمارات الجديدة في قطاع الصناعة كما مختلف قطاعات الاقتصاد اللبناني، لأنّ الحرب تشكّل دائماً بيئة لا تشجّع على الاستثمار.

 

وأضاف: «من الصعب تصوّر دور لمصانع الجنوب وبعلبك الهرمل على المدى القصير، خصوصاً في ظلّ النزوح الذي تعانيه هذه المناطق تبعاً للحرب المدمّرة».

 

أخيراً، شدّد بوشكيان على أنّ وزارة الصناعة تعمل على تجهيز خطة لمسح الأضرار التي طالت القطاع في مرحلة ما بعد الحرب، من أجل تحضير بعدها خطّة لقيامة القطاع تبعاً لنتائج المسح.

 

على رغم من الصعوبات الكبيرة التي تواجه لبنان في ظل الحرب الحالية، يبقى الأمل في تجاوز المِحَن والتحدّيات. وتعكس جهود الحكومة اللبنانية، عبر وزارتَي الزراعة والصناعة، التزاماً بدعم المزارعين والصناعيّين وتأمين سلاسل التوريد الأساسية. بالتصميم والعمل المشترك، يمكن للبنان أن يتجاوز هذه الفترة الصعبة، ويضع أسساً قوية للتعافي والنمو المستدام في المستقبل. التحدّيات كبيرة، لكنّ الإرادة والعزيمة هما الأساس لبناء غدٍ أفضل.