Site icon IMLebanon

العدو يحرق الأخضر واليابس والدولة غائبة: الزراعة تموت في الجنوب

 

 

معظم أبناء المنطقة الحدودية في الجنوب يعتمدون على الزراعة لتأمين نفقات معيشتهم. أجبرتهم الحرب على النزوح، فخسروا مصدر إنتاجهم الوحيد. بعضهم، استأنفوا العمل الزراعي في الأماكن التي نزحوا إليها رغم أن قلّة بقيت تتردد يومياً إلى قراها لزراعة أراضيها. حيدر حجازي من بلدة عيترون، لا يزال يقصد بلدته يومياً برفقة زوجته وأولاده للاهتمام بزراعة الحقل المحيط بمنزله، بالبطيخ والبندورة وخضروات أخرى. هذا ما يقدر عليه الآن بعدما كان يزرع أكثر من 25 دونم تبغ توفّر له نحو 12 ألف دولار سنوياً، بالإضافة إلى الصحاري والقمح وحبوب أخرى. يشير حيدر إلى أن «عشر عائلات فقط لا تزال تقصد البلدة لمتابعة حقولها الزراعية بعدما كان عدد مزارعي التبغ وصل قبل الحرب إلى نحو 900 مزارع». ويقول محمد شيت من كفركلا، إنه استثمر في سهل الوزاني لزراعة أكثر من 500 دونم بالدراق والتكترين والفواكه المختلفة والبطيخ والشمام، إلا أنه ترك أرضه إثر تعرّض اثنين من عمّاله لإصابات مختلفة نتيجة القصف الإسرائيلي، واضطرّ إلى دفع مبلغ 4500 دولار لعلاجهما في أحد المستشفيات بعدما تنصّل المعنيون من المسؤولية. ويقول: «أكثر من نصف الأشجار، تعرّض لليباس وطار موسم زراعة البطيخ والشمام، كما نفقت 100 رأس غنم، وفي حال استمرت الحرب شهراً إضافياً، قد أخسر ما تبقّى من الأشجار لتزيد خسائري المادية على 200 ألف دولار». ويشير شيت إلى أن «30% من أبناء بلدة كفركلا يعتمدون بشكل كلّي على الزراعة، إذ إنه في سهل الوزاني وحده، زُرع أكثر من 8000 دونم بالفواكه والحمضيات والعنب إضافة إلى 3000 دونم مزروعة بالحبوب والصحاري تعرّضت للاحتراق أو اليباس، كما احترق أكثر من 2000 دونم من أراضي سهل الخيام المزروعة بالحبوب والخُضر». ويشكو شيت من غياب الدولة بشكل كلّي عن متابعة أحوال المزارعين والبحث عن وسائل لدعمهم متسائلاً: «هل الجنوب هو خارج الخارطة اللبنانية، ومتى سيسأل المعنيون عن أحوال المزارعين وخسائرهم؟».

بحسب المهندس الزراعي سليم مراد، يُقدّر أن تبلغ قيمة الخسائر الزراعية 30 مليون دولار. فالأضرار طاولت 1200 مزرعة ماعز وأغنام، 800 مزرعة أبقار، 600 مزرعة دواجن، 400 مزرعة نحل، 600 مزرعة للمحاصيل الحقلية والخُضر، 3000 متضرر من أصحاب المشاتل والنصوب والحدائق المنزلية المتواجدة قرب الأبنية المُهدّمة. وفي الفترة الأخيرة زادت الأضرار بشكل كبير بسبب اتساع رقعة الحرب وزيادة عدد الحرائق الناتجة من القصف الإسرائيلي. أتت الحرائق على الأشجار المثمرة والحرجية والمحاصيل المزروعة، وساهم في تأجيجها ارتفاع درجات الحرارة والزيادة في نسبة يباس الأشجار والأراضي غير المحروثة. ويعتقد أن طول مدة الحرب سيعمّق الخسارة وينقلها من موسم إلى آخر، ولا سيما أن آلاف المزارعين في المنطقة الحدودية يعتمدون في معيشتهم على الزراعات الشتوية وزراعة التبغ، إضافة إلى موسم التين والعنب والزيتون.

ويشير رئيس دائرة التنمية الريفية في محافظة النبطية، علي بعلبكي، إلى أنه «تم إحصاء أكثر من 1100 حريق في بلدات المحافظة الأمامية، أكلت الأحراج والأراضي الزراعية والرعوية، في مناطق يتواجد فيها نحو 10 آلاف قفير نحل، لا نعلم عنها شيئاً اليوم، بل يتوقع هجرة خلايا النحل أو نفوقها. وقد ساهمت الوزارة في تأمين خطوط آمنة لانتقال عدد كبير من المواشي إلى البقاع، علماً أن أكثر من 500 رأس غنم نفقت في منطقة كفرشوبا، كما اضطر أصحاب مزارع الدجاج إلى تركها ولا سيما في بلدات منطقة بنت جبيل التي يتواجد فيها أكثر من 200 ألف طير من الدجاج». ويرى بعلبكي أن «الخسارة الكبرى هي لأشجار الزيتون المعمّرة وأشجار الصنوبر التي يعود تاريخ جزء كبير منها إلى أكثر من 60 سنة، وهي تعرضت لاستهداف مباشر في راشيا الفخار، كفرحمام، الهبارية والفرديس».

يشار إلى أنه في منطقة بنت جبيل ومرجعيون الحدودية، كان عدد قفار النحل قد ارتفع بشكل كبير خلال السنوات الماضية ليبلغ في بنت جبيل وحدها أكثر من 6000 قفير يملكها أكثر من 1000 نحّال، بحسب رئيس تجمع نحّالي جبل عامل طارق ياسين. ويلفت مراد إلى أن عدد النحّالين في محافظتي الجنوب والنبطية وصل في عام 2020 إلى 6283 نحّالاً يملكون حوالي 56 ألف قفير، 60% منها في أقضية بنت جبيل، مرجعيون وصور (بحسب المسح الزراعي لوزارة الزراعة لعام 2021). أما الخيم الزراعية فقد وصل عددها إلى 300 خيمة في قضاء مرجعيون فقط. كما وصل عدد الأراضي الزراعية التي تُزرع بالحبوب قبل الحرب في منطقة مرجعيون إلى نحو 110 آلاف دونم تنتج نحو 21 ألف طن.

ويشير رئيس مركز الإرشاد الزراعي في مرجعيون فؤاد ونسة، إلى أن حجم أراضي منطقة مرجعيون المزروعة بأشجار الزيتون وصل قبل الحرب إلى 30 ألف دونم. أما مساحة الأراضي المزروعة بالأشجار المثمرة فيقارب 7000 دونم. وتنتج المنطقة نحو 125 ألف تنكة زيت زيتون ونحو 1500طن من العنب و4000 طن من الدراق. ما يعني أن معظم هذا الإنتاج ستتم خسارته إذا استمرّت الحرب. وللتذكير أنه في سهل الخيام الذي تبلغ مساحته 28 مليون متر مربع، انتشرت فيه خلال السنوات الماضية زراعات غير التي كانت فيه، منها زراعة التبغ، وأشجار الزيتون واللوزيات والآفوكا والجوز، مقابل زراعات الخُضر، والحبوب مثل القمح.

 

952 حريقاً بالفوسفور

من بداية الحرب وحتى 17 تموز، تعرّضت 55 بلدة في محافظة النبطية للاستهداف الإسرائيلي بقنابل الفوسفور، وفق إحصاءات مصدرها وزارة الزراعة. أدّت هذه الاستهدافات إلى حصول 952 حريقاً، إضافة إلى 26 حريقاً في 26 تشرين الأول. وبلغت مساحة الأراضي المحروقة بالكامل أكثر من 2800 دونم، أما مساحة الأراضي الزراعية والحرجية المتضررة فقد وصلت إلى 6700 دونم. كما تم استهداف أكثر من 60 ألف شجرة زيتون معمّرة وعدد كبير من أشجار السنديان والصنوبر، أما نسبة تضرّر الأشجار الزراعية والحمضيات فقد تجاوزت 35%. وأدّى القصف الإسرائيلي إلى نفوق 390,000 طير دجاج، وأكثر من 1700 رأس ماشية، وتضرّر 93 خيمة زراعية، و370 قفير نحل بشكل كلّي و3000 قفير بشكل جزئي، إضافة إلى تدمير كلّي لمستودعات الأعلاف بمساحة 600 متر مربع، ووصل عدد المزارع المستهدفة إلى 18 مزرعة.