IMLebanon

الأولوية للزراعة الذكية

 

 

لا أحد ينكر أهمية قطاع الخدمات في الاقتصاد المعاصر حيث يشكل أكبر قسم من الناتج ويتعدى الثلثين في معظم الأحيان. تطورت الاقتصادات خلال القرون الماضية من مرتكزة على الزراعة ثم على الصناعة، أما اليوم فالدور الأكبر هو للخدمات التي تغطي العديد من القطاعات منها السياحة والسفر.  بالرغم من تغير الموازين، تبقى الزراعة القطاع المعنوي الأهم اذ من دونه لا حياة للانسان.  فالزراعة تربط الانسان بأرضه نفسيا وماديا ووطنيا حيث لا يمكن استبدال عوامل الانتاج الزراعية كما يحصل في الصناعة والخدمات. الأرض غالية جدا للانسان الذي يطورها وينقل ملكيتها الى آجيال أخرى. أما الانتقال من الزراعة الى الصناعة الزراعية أي انتاج معلبات ومأكولات محضرة ومجلدة وغيرها فهي في غاية الأهمية الحياتية كما التجارية لجذب العملات الصعبة.

في دول أوروبا وخاصة في فرنسا وايطاليا واسبانيا، لا نوعية عالية للحياة من دون الانتاج الزراعي المميز من مأكولات ومشروبات وانتاج متنوع نوعي مهم جدا لحياة الانسان والطبيعة. تتميز هذه الدول ربما بمأكولاتها ومشروباتها أكثر مما تتميز بصناعاتها الرائدة. في عالمنا اليوم المطلوب من كل دولة وضع سياسة زراعية هادفة الى تكبير القطاع في الحجم والانتاجية. المطلوب التنويع الانتاجي الضروري تبعا للطقس والأرض والمياه والمناخ والتمويل والخبرات وغيرها من العوامل الأساسية المؤثرة على الزراعة. المطلوب من وزارات الزراعة الموجودة في كل الدول أن يكون لها استراتيجيات مبنية على الأهداف الثلاثة:

 

أولا: تحديد التحديات المستقبلية للقطاع الزراعي التي تختلف من دولة الى أخرى بل من منطقة الى أخرى.  ما هي السلع التي يمكن للقطاع انتاجها عبر المزارعين والآليات المتوافرة كما عبر الارشاد المدروس؟  لا يمكن لكل دولة أن تنتج كل شيء وبالتالي هنالك أفضليات مبنية على الامكانات والموارد المتوافرة من تربة ومياه وطقس ومناخ وغيرها.  يمكن لوزارات الزراعة توجيه المزارعين نحو انتاج السلع ذات القيمة السوقية المرتفعة، وهذا ممكن تبعا للتكلفة ولشفافية الأسواق التي تباع فيها.

بعض المزارعين لا يملك الخبرات التقنية والعلمية الكافية للنجاح وبالتالي وجود قطاع عام عالم مهم جدا.  يمكن لوزارات الزراعة تحديد السلع المناسبة التي تحقق النجاحات بسرعة وأحجام أكبر وعلى المزارع الاختيار بحرية تامة.  أوروبا بنت زراعتها عبر الدعم والتجارة والمعرفة، لكن بالرغم من كل هذا المزارعون غير راضين بل يخسرون ماليا.  يطالب المزارعون الأوروبيون بتحديد أسعار دنيا للسلع وبتخفيف الاستيراد المنافس من مناطق قريبة كأوكرانيا.  هنالك مشكلتان وهي أولا صعوبة تحديد السعر الأدنى الذي يتحرك وثانيا لا يمكن منع الاستيراد عندما تطلب هذه الدول تسهيل بيع منتجاتها في الخارج.

 

ثانيا: على وزارات الزراعة تحديد الوسائل القانونية والمالية والادارية التي تسمح للقطاع الخاص بالانتاج وبالتالي تحقيق التحديات التي حددت سابقا. هنالك ضرورة لاستقطاع تأييد السياسيين الرئيسيين في كل السلطات لتسهيل وضع القواعد والقوانين والاجراءات التي تصب لمصلحة المزارع والقطاع.  في الزراعة، السلامة الغذائية أساسية وكم تحصل اليوم حوادث تسمم تؤذي خاصة الأطفال وكبار السن.  من أهم المواضيع نوعية السماد الزراعي وجودة الأدوية الزراعية وهنالك أسواق سوداء مزدهرة تؤدي الى تسمم الانسان وأذية بعض أعضاء الجسم. التحديات الكبرى مهمة، لكن المهم أيضا تحديد الرؤية الواقعية التي تسمح بالتنفيذ وهي مبنية على الامكانات الحقيقية والقدرة على الانتاج والتسويق والتنويع وثم التجديد.

ثالثا: لا يمكن بناء وتطوير قطاعات زراعية حديثة من دون رقابة عصرية تسمح بالتأكد من عمليات الانتاج في فعاليتها وتقنياتها وتنوعها بالاضافة طبعا الى السلامة المطلوبة في كل الزراعات. هنالك ضرورة لاحترام حقوق النقابات والجمعيات وغرف الزراعة التي تسعى جميعها للحفاظ على حقوق المزارع ومنع الاستغلال. النقابات الزراعية الفاعلة ليست عموما عديدة لأنها تفتقر للايرادات المالية التي تسمح لها بالوصول الفاعل الى مراكز القرار بل الى الاعلام المسموع والى الاعلان كما الى الرأي العام الناشط اجتماعيا.  القطاع الزراعي الناجح، وهنالك أمثلة أوروبية عديدة تؤكد عليه، يحشد التأييد الشعبي والرسمي لسلامة القطاع ومستقبله.  الزراعة المتنوعة السليمة هي الحياة لأن المأكولات والغذاء هي للجميع، ولا يمكن حصرها في مناطق معينة.

أفريقيا فقيرة وعانت كثيرا من الكورونا ومن سلاسل الامداد كما من التضخم العالي والتغير المناخي. كانت أنظمتها الغذائية قديمة مما سبب زيادة 60% في المجاعة القاتلة.  كانت الانتاجية الزراعية منخفضة وبالتالي كانت الحاجة للتقدم كبيرة بالتزامن مع وجود مسؤولين فهموا التحديات واستعملوا بذكاء ثرواتها الطبيعية والبشرية لخدمة الشعب والاقتصاد.  بعض دولها نجح زراعيا ودروسها موجودة للجميع. نذكر هنا 3 دول هي المغرب واثيوبيا ورواندا التي استطاعت بفضل سياساتها الحكيمة رفع مستوى أمنها الغذائي كما حسنت أوضاعها الاقتصادية.

في المغرب تم تحديد المشروع الأخضر في سنة 2008 الذي ساهم في تحديث الانتاج مع الحفاظ على السلامة البيئية.  استعملت الموارد المالية بطرق جيدة وارتفعت المساحات المزروعة. ارتفع الناتج المحلي الزراعي 5,25% سنويا من 2008 الى 2018 أي أسرع من الاقتصاد العام الذي نما فقط بنسبة سنوية 3,8%.  ارتفعت الصادرات الزراعية كما عدد فرص العمل في القطاع التي بلغت 342 ألف فرصة جديدة.  نجحت المغرب زراعيا بفضل السياسات التي نفذت بشكل جيد وفاعل وسريع.

في اثيوبيا تم انشاء المؤسسة الزراعية في 2010 مما سمح للانتاج بالارتفاع بنسبة 76% وبالتالي تم انقاذ 150 ألف شخص من المجاعة والموت وتحسنت أوضاع المناطق والمزارعين.  أما رواندا، فطبقت اصلاحات في القطاع الزراعي منذ 2004.  كل دولار انفق في الزراعة أعطى زيادة دولارين في الناتج المحلي الاجمالي.  استفادت رواندا من ثروتها المائية والطبيعية بشكل جيد وطبقت سياسات حكيمة سمحت بتخفيف ظلم الفقر وسؤ التغذية.