لو كان الرئيس نبيه بري مارونياً، لما كان حصل شغور رئاسي، ولكان تم انتخابه رئيساً باجماع منقطع النظير ومن مختلف الطوائف. وهو يمثل اليوم وسيط العقد في المجتمع السياسي اللبناني. وهو ليس ساحراً من أساتذة ألعاب الخفة مثل هوديني، وليس رجلاً اختارته العناية الالهية، لتنزل عليه الوحي وتملي عليه سلوكه وأعماله… بل هو رجل اختار أن يصل الى موقعه وأهدافه بممارسة السياسة بعقل منفتح، وبرؤية راجحة وحكيمة. وعندما لا تتقاطع طريقه مع أي طرف فإنه يلجأ الى الوصفة السحرية التي أطلق عليها تسمية الحوار، فيأخذ ويعطي بنَفَس طويل الى أن يصل الى نتيجة ترضي الطرفين. وهي الوصفة نفسها التي طبّقها على البيئة السياسية اللبنانية المنقسمة والمتنابذة، وفي خلفية ذهنه أنه اذا لم يوصل الحوار الى نتيجة فإنه على الأقل يذيب الجليد بين مكونات الوطن الواحد، ويجعل من شخصه نقطة التلاقي في ما بينها. ولهذا السبب هو اليوم موضع التقدير في الداخل، وفي العالم العربي والمنطقة، وفي الخارج. وهو يتمتع بالاحترام حتى من الأطراف المتخاصمة في ما بينها، ويتلقى الدعوات من الرياض وطهران والقاهرة وغيرها، ويحترمون دوره من قبل الأميركيين والروس، ويحظى بالمكانة المتقدمة في الاتحاد البرلماني العربي والدولي، وعواصم أخرى في العالم.
***
أحد الفلاسفة الفرنسيين له قول شهير، وتعريبه هو: الرجل هو الأسلوب بالذات! وأكثر من يحتاج الى هذه النصيحة في مجتمع متعدد مثل لبنان، هم المرشحون لرئاسة الجمهورية، وسائر الرئاسات تالياً، وكل السياسيين بصفة عامة. وقد يصل البعض الى الزعامة عن طريق تعبئة الجماهير بشعارات ثورية. وهذا الاسلوب الثوري في التعبئة يصلح لهذه المرحلة فقط. ولأن الهدف من كل ثورة هو ايصال رموزها الى السلطة بهدف التغيير والاصلاح، فلا بد اذن من أن يتكيف الزعيم الثوري ويمر بمرحلة رجل السياسة قبل العبور الى مرتبة رجل الدولة. ولكل مرحلة من هذه المراحل اسلوبها الخاص. والزعيم الثوري اذا عبر الى رتبة رجل الدولة دون أن يمر بمطهر رجل السياسة، فانه قد يتحول الى طاغية… وفي زمن الشغور الرئاسي الطويل في لبنان، احتفظ كل زعيم بموقفه الثوري المتصلب، دون أن يحاول تليين المواقف بالسياسة، وكانت النتيجة هي العجز عن ايصال رجل الدولة الى منصب الرئاسة! الرئيس سعد الحريري كسر الجمود وغير أسلوبه باختيار مرشح لفريقه من معسكر الخصم وطرح اسم الزعيم الشمالي سليمان فرنجيه، والذي غير أسلوبه هو الآخر بقبول هذا الترشيح. ومع تغير الأسلوب لم يتنازل الحريري عن مبادئه السياسية، ولا تنازل فرنجيه عن خطه السياسي…
***
آه… لو كان نبيه بري مارونياً!