بدأ الأمين العام لتيار المستقبل منذ سنوات تجربة إنتاج «كوادره». بعد عام 2009 سلّمهم مراكز قيادية تابعة لـ«أمانته»، بهدف خلق حالة اسمها أحمد الحريري. ومع أن هذا الفريق لم يحقّق إنجازات ظاهرة، إلا أنه، في الحدّ الأدنى، أرسى نوعاً من الاستقرار في قطاعات كانت في حالة موت سريري
مع تسلّمه تيار المستقبل عام 2005، ورث الرئيس سعد الحريري عن والده «تركة» بشرية ارتبط اسمها مباشرة باسم الرئيس الراحل رفيق الحريري. وفي مرحلة لاحقة، طُعّم التيار بمجموعة أخرى فرضت حضورها مع ازدياد فاعليتها في ممارستها لعملها التنظيمي، ويجمعها الولاء للأمين العام للتيار أحمد الحريري. فمنذ تسلّمه الأمانة العامة، بدأ نجل النائبة بهية الحريري بتجربة إنتاج كوادره داخل التيار بهدف خلق حالة خاصة به. ومستفيداً من مشروع «إعادة هيكلة القطاعات والمنسقيات»، نتيجة أزمة مالية وإدارية ألمّت بها بين عامي 2007 و2009، زرع القيادي المستقبلي الشاب أنصاره في عدد من المراكز القيادية.
ومع أن هذا الفريق لم يحقّق إنجازات ظاهرة، إلا أنه، في الحدّ الأدنى، يتميّز بأنه «الابن الشرعي» للمستقبل، وبأن الوعي السياسي لأعضائه تفتّح داخل التيار الحريري، فلم يأت هؤلاء من تجارب حزبية مختلفة فكرياً وسياسياً، إذ إن كل أعضاء هذا الفريق كانوا ناشطين في القطاع الشبابي الذي ترأسه أحمد قبل انتقاله إلى الأمانة العامة. أما ميزته الأخرى فهي صغر سن هذه المجموعة مقارنة بـ«الأبناء الضالّين» الذين اجتذبهم الرئيس الراحل، بشتى الوسائل.
لا يخفي بعض المستقبليين شكوكهم في أن ما يسعى إليه أحمد الحريري يتعدّى الدور المنوط به، فهو استفاد من غياب سعد الحريري ليصبح اليد التنفيذية له على الأرض، وليقوم بجولات في مناطق انتشار التيار. وإلى ذلك، «أدرك أنه في حاجة إلى دائرة محيطة به، كما هي حال سعد الحريري وفؤاد السنيورة، فخلقها لتصبح له اليوم أذرعه في القطاعات التنظيمية حيث عصب التيار الحقيقي».
«مجموعة أحمد»
تفتّح وعيها في التيار ولم تأت من تجارب مختلفة فكرياً وسياسياً
لكن ماذا فعلت هذه الأذرع؟ وهل حققت فعلاً الأهداف المطلوبة منها بانتشال القطاعات من واقعها الفوضوي، أم كانت ظلّاً للأمين العام داخلها وحسب؟
قطاع الإعلام مثلاً. أتى أحمد الحريري بعبد السلام موسى من قطاع الشباب إلى الإعلام بتوقيع صغير. أحد العاملين فيه يجزم بأن هذا القطاع كان قد تحوّل إلى « دكّانة، يُنشئ فيها كل طرف علاقات على مقاسه ووفقاً لمصالحه». منذ 4 سنوات «لا تسجّل لموسى إنجازات عظيمة ولم يحقق نقلة نوعية في أداء القطاع». لكن «يسجّل له أنه أنهى حالة الفوضى القائمة، وأجبر العاملين تحت إشرافه على الانضباط، إضافة إلى تعزيز الموقع الإلكتروني للتيار». انطلاقاً من موقعه حوّل موسى مكتبه الذي يبدو أوسع من خبرته السياسية والإعلامية إلى مركز خدمات لجميع مسؤولي التيار من نوّاب ووزراء. بعضهم لا يعرف شيئاً عن قطاعه سوى أنه «مرجع معلومات، ومكتب يرسل اليهم التقارير والخلاصات السياسية ويهتم بتسويق بياناتهم». وعنه شخصياً أنه «صحافي يهتمّ بالرد على أي كلمة يلقيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرلله، وكان يعمل في المكتب الإعلامي لزميلهم النائب زياد القادري»! مع ذلك، «لم ينزلق موسى في معمعة الأخطاء التي عهدها العاملون في القطاع، كما فعل سلفه أيمن جزيني الذي استبعد من منصبه بسبب سلوكه الشخصي». يؤكد المحيطون بموسى أنه «حريص على أخذ التوجيهات ممن هم أعلى رتبة منه، كعضو المكتب السياسي راشد فايد، وأحمد الحريري بطبيعة الحال». ومع أنه «متابع ومنفتح، لكنه حذر في طريقة تعاطيه مع مسؤولين في حزب الله أو في وسائل إعلام محسوبة عليه».
أذرع أحمد الحريري في القطاعات كثيرة؛ منها منسّق قضاء الكورة ربيع الأيوبي، والقيطع ـ عكار سامر حدارة، ومنسّق مكتب القدس في بيروت خليل شقير، وميرنا منيمنة في قطاع الاغتراب. وفقاً لمقرّبين من الرجل، «وجوه هؤلاء وأسماؤهم لا يعرفها سوى قليلين خارج مناطقهم، لكنهم بالنسبة إلى الأمين العام عيونه وآذانه».
أمّا البارز فيهم حالياً فهو منسق الإعلام في عكار والشمال عبدالله بارودي. لم يأت الحريري ببارودي من قطاع الشباب إلى هذا القطاع. سبقه إلى ذلك مستشار الرئيس سعد الحريري لشؤون الشمال عبد الغني كبارة، لكنه سرعان ما تقرّب من «الشيخ أحمد». لدى سؤال « الرفاق» في المستقبل عن عبدلله، يحار عدد منهم في توصيفه لتعدّد «وظائفه». فهو تارة «منسّق إعلام، وتارة أخرى صحافي ومقدّم برنامج إذاعي، حتى إنه تولّى تحرير ملحق الشمال في صحيفة الجمهورية»! يذكر أحدهم «كيف فوجئ الأمين العام مرّة بالتحضيرات الإعلامية فور وصوله إلى فندق كواليتي إن في طرابلس، مع أنه لم يطلب مواكبة». ويشرح إعلامي زميل له «كيف يملّ المعنيون في تلفزيون المستقبل من متابعته حسن سير التغطية الإعلامية للمنطقة، حتّى إنه لا ينفك يقترح أسماء الضيوف في البرامج السياسية، ويضغط لإبراز أخبار منطقته». والى ذلك، فهو «مصدر معلومات أحمد الحريري في منطقة الشمال»، و«يعدّ له التقارير السياسية أولاً بأول». كذلك يتولى «ترتيب جلسات مع أبناء عائلات كبيرة في طرابلس، يشغلون مواقع اقتصادية واجتماعية ونقابية». وفي هذه الجلسات «يرصد بارودي الجوّ العام في المدينة ومتطلبات الناس. يجمع اقتراحات يطرحها عليه هؤلاء، من قبيل تمويل مشروع أو التنسيق مع جهة ما، ليهمس بها في أذن الحريري». حتّى إنه «حضر بعض الاجتماعات التي عقدتها هيئة العلماء المسلمين مع مجموعات خاضت معارك في طرابلس»!
وفي المستقبل قطاع يشكّل عصب التيار كان الحريري يتولّى إدارته، قبل أن يقرر تسليمه إلى المنسق وسام شبلي. كثُر تكهنوا بما يمكن أن يقدّمه شاب لقطاع، أكثر ممّا أعطاه له أحد أفراد آل الحريري شخصياً؟ في الحقيقة لا شيء «سوى تنظيم أكثر وعراضة أقل» على ذمّة المستقبليين. رغم ذلك، بنى شبلي رصيداً له أكثر من الآخرين. فهو على الأقل «ضمن للتيار انتساب 100 عنصر إلى المستقبل سنوياً من أصل 250 يحضرون المؤتمر السنوي. وفرض عليهم دفع اشتراكات لتمويل النشاطات (مخيمات، إفطارات، مؤتمرات سنوية) فيما يدفع تيار المستقبل 10 في المئة من كلفتها فقط»! ونتيجة تأثره بالتجربة الحزبية الأوروبية، أشرك «شبابه» في دورات تدريبية في مؤسسات دولية، وتحوّل بعضهم إلى مدربين، ما وفّر على القطاع الاستعانة بمدربيين أجانب!
يبقى أن كل هؤلاء، وغيرهم، تظللهم خيمة أحمد الحريري المتّهم «بإنشاء حزبه الخاص داخل التيار». فالقيادي الشاب الذي «يقيم اليوم مآدب تكريمية، ويخطب في الناس بالوكالة عن ابن خاله ويحتكّ بهم مباشرة، يرى أنه الأولى بأن يكون له جناحه الذي يتّكئ عليه، على غرار ما فعله كثيرون». أليس الأقربون أولى بالمعروف؟