أغرب ما قرأنا في رسالة المفتي الجعفري الممتاز الشّيخ أحمد قبلان إلى غبطة البطريرك بشارة الرّاعي قوله “من يخنق لبنان الآن ليس كمن يُنْجده، والمساواة بين هاتين الجهتين ظلم بدين المسيح ومحمد”، من يخنق لبنان؟ هذا الإصرار على محاولة تصوير لبنان محاصر حصار مجاعة العام 1913 والحقيقة غير ذلك تماماً.
رسالة الشّيخ أحمد قبلان درسٌ موجز في تاريخ لبنان بعد استقلال العام 1943 قرّر تعليمه لغبطة البطريرك الرّاعي ودرسٌ آخر في الحياد والانحياز!
وسط غابة من التّواريخ سعى قبلان إلى تصوير إيران التي لم يأتِ على ذكرها في رسالته واكتفى بالغمز من قناتها باعتبارها “من يُنجد لبنان” مع أنّها وحزبها الذي يختطف لبنان منذ العام 2005 سبب كلّ البلاء الذي يعيشه لبنان وشعبه اليوم، ويحقّ لنا أن نتساءل ما هي النّجدة التي جاءت من إيران، هل ثلاث سفن نقلت المازوت إلى حزب الله الذي يبيعها لبيئته ويقبض ثمنها ولا نعرف هل يرسله إلى إيران، أم أرسلته له كتمويل عينيْ يقبض أمواله ويضعها في خزينته في زمن الشحّ؟ ما الذي قدّمته إيران للبنان لتنقذه من الواقع المرير الذي يعيشه شعبه؟
إيران تحتل لبنان عبر فريق من الطائفة الشيعيّة يدين لها بالولاء السياسي والعسكري والاجتماعي والاقتصادي والمالي ونجح في فرض هذا الاحتلال المقنّع، ونسأل ما الفرق بين حزب الله النّاشئ بالتّبعيّة لإيران الخميني وبين “القزلباش” وهو اسم ترجمته الحرفية “الرؤوس الحُمُر”، كان العثمانيّون يطلقونه على الشّيعة اللبنانيّين، و”الرؤوس الحمر” هو اسم نشأ في زمن الدولة الصفويّة في العام 1456 في حقبة حيدر بن جنيد بن إبراهيم، من الدّولة الصفويّة، و”حيدر” هو الذي أمر أتباعه الدّراويش “القزلباش” أن يضعوا العمائم الحمراء ويلفّوها “إثنتا عشرة” لفّة، واستطاع “إسماعيل بن حيدر” أن يؤسّس وحدات خاصّة من الجيش تُعرف بـ “القزلباش”، نسبة إلى التّاج أو العمامة الحمراء التي يرتديها أتباع الطريقة الصّفويّة المُغالية نِسبة إلى الأئمة الإثنيْ عشر”، وقد أطلق اسم “الرؤوس الحمر” زمن الخلافة العثمانيّة؟! فما الفرق بين القزلباش وحزب الله؟
أيّ جرأة هذه التي جعلت الشّيخ أحمد قبلان يضع بطريرك لبنان وأنطاكية وسائر المشرق أمام خياريْن لا ثالث لهما: “لغبطته أقول: حين عجز الحياد كان لا بدّ من الإنحياز ولا ثالث بينهما”، أيّ جرأة هذه في فرض الانحياز لإيران ضدّ لبنان؟ أيّ جرأة هذه التي “تقلب الأسود أبيض” فتصوّر اختطاف لبنان والإصرار على نزع هويّته العربيّة عنه رغبة في إلحاقه بإيران الفارسيّة ومحورها؟ فليسمح لنا الشّيخ أحمد قبلان اللبنانيّون ليسوا “قزلباش” الدّولة الصفويّة وليسوا حزب الله الدّولة الإيرانيّة التي زعزعت استقرار لبنان وحوّلته إلى جبهة وترسانة صاروخيّة ومنصّة التّهديد بالحروب بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر ووطيس المعركة حامٍ على باب المندب!
لا بدّ من إحالة القارئ مرّة جديدة إلى كتاب “لبنان الذي كان للشّيعة حتى عام 1760”، وكاتبه د. سعدون حماده الذي يصف تاريخنا اللبناني بالمأساة الكبرى “التاريخ اللبناني المعروف غير حقيقي وناقص ومجتزأ”!!