Site icon IMLebanon

رمانات أحمد الأسير وترسانة علي خامنئي

لم تحظَ ظاهرة لبنانية بالنفخ الإعلامي وعبر التسريبات الأمنية المدروسة بعناية، كما حظيت ظاهرة الشيخ السني اللبناني أحمد الأسير. بدأت ظاهرة الأسير من رحم الأزمة السورية والأهوال التي تعرضت لها مدينة حمص عام 2012، وركز بالتوازي على سلاح «حزب الله» ودعم إيران لنظام بشار الأسد، وانتهى مطاردًا بعد اشتباك آثم مع الجيش اللبناني إلى حين اعتقاله قبل أسابيع. خلال هذا الزمن صنع الأسير ظاهرة، بدت في الإعلام كبيرة الحجم وعظيمة الشأن. نُسجت حوله روايات تبدأ بوصفه «المنتَج الأحدث» للمحور الخليجي في الصراع من إيران، ولا تنتهي عن حدود الأوهام حول ارتباطه بحركة إسلامية ساعية لتحويل لبنان إلى إمارة. بدا الرجل من طينة الرجالات الذين يغيرون التاريخ والجغرافيا والسياسة، وليس مجرد إفراز للتوازن المهين القائم في لبنان الذي يعتبر أن «إنسان» «حزب الله» أعلى كعبًا، في كل شيء، من أي «إنسان» لبناني آخر.

غير أن ما سربته صحيفة «النهار» اللبنانية من مواد التحقيقات الأولية مع الأسير حول أحداث عبرا، جنوب لبنان، واشتباكه الأخير هناك مع الجيش الذي أنهى وجوده عمليًا، تظهر حجم النفاق الذي اعترى تغطية هذه الظاهرة وحجم الأوهام التي أحيطت بها، عمدًا في كثير من الأحيان، لا سيما ما يتصل بعديده وعدته ومصادر رعايته وتمويله وعلاقاته بالمحاور المتصارعة في الإقليم.

يقول الأسير في اعترافاته المنشورة في «النهار»:

«قررت إنشاء مجموعات مسلحة أطلقت عليها اسم (كتائب المقاومة الحرة). وبغية البدء بإنشاء هذه المجموعات المسلحة، فتحت باب التبرع المالي لشراء السلاح!!» تمويل عبر التبرعات لمثل مشروع إقامة الإمارة الإسلامية بدعم قطري سعودي تركي!!

أما حجم الكثير والعدة فيفضح هزاله الاعتراف التالي:

«عُيّن اثنان عن مخزن السلاح الذي كان تحت مكتبي في المسجد نفسه. ووصل الكثير إلى نحو 300 منتسب (…) واستطعنا الحصول قبل معركة عبرا على 250 بندقية كلاشنيكوف و7 قذائف آر بي جي ورشاشي ماغ ودوشكا ومدفع بـ10 وكميات كبيرة من الذخائر والرمانات اليدوية».

أي أن عدد المتطوعين لدى الأسير قبل معركة عبرا فاق عدد البنادق! أما «جيشه»، جيش الإمارة المزمعة، فقد نجح في إفراز مجموعتين تضم كل منها خمسة شبان «جميعهم قتلوا في معركة عبرا». وحول مصادر تسليحه التي نسبت إلى دول لا حصر لها قبل توقيف الأسير، وإبان نمو ظاهرته يتضح أنها لا تتجاوز تجار أسلحة صغار ومهربين «في عرسال وجرودها»، وكان ينقل الأسلحة «السوري أحمد زكريا سيف الدين الملقب بـ(السلس) بواسطة (بيك أب) له في داخله مخبأ سري إلى عبرا – مسجد بلال بن رباح». ويضيف الأسير: «الجهة الثانية من منطقة شمال لبنان من خلال الكثير من تجار الأسلحة».

تكاد سماوات تفصل بين وضعية الأسير التي راجت في الإعلام، وتحديدًا المحسوب منه على ما يسمى محور المقاومة، وبين الوقائع التي تكشفت في التحقيق عن الهزال العسكري لهذه الظاهرة، وعن درجة الافتعال والمبالغة عبر ربطها بمنظومات الإرهاب الدولي وبمشاريع الصراع الجيوبوليتيكي في المنطقة!

في مقابل هزال الأسير، الذي جرت صناعته بخبث من قبل محور المقاومة، كأحد رموز الإرهاب وتهديد السلم والأمن المحليين والإقليميين والعالميين، كان حزب المقاومة الأول، «حزب الله»، يتعرض لانكشاف دوره الفعلي والعميق في خلخلة السلم والأمن في المنطقة.

تكفي المقارنة بين «رمانات الأسير» و«ترسانة الولي الفقيه» التي كشفت عنها التحقيقات مع خلية «حزب الله» في الكويت. فما فضحته التحقيقات فيما بات يعرف بـ«خلية الكويت» يشي بأن ما كان يعد له هو انقلاب حقيقي وليس عمليات أمنية، كما تدل نوعية الأسلحة الهجومية المضبوطة وكمياتها.

فبحسب بيان وزارة الداخلية الكويتية في 13 أغسطس (آب) الماضي، يصل مجموع المضبوطات لدى عناصر الخلية إلى «19 طنًا من الذخيرة، فضلاً عن 144 كيلوغرامًا من مادة (تي إن تي)، وقذائف صاروخية وقنابل يدوية وصواعق وأسلحة»، دعك من معلومات كشفها وزير عربي عن وجود عشرة آلاف بزة عسكرية مثيلة لبزات الجيش الكويتي!! عشرة آلاف، لمن فاته التركيز على الرقم ومقارنته برمانات إمارة الأسير الإرهابية!!

أما في البحرين، وبعد الإعلان عن اعتقال شبكات تجسس تابعة للحرس الثوري، كشف وزير الخارجية، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، أن حجم المتفجرات المهربة لبلاده عبر زوارق بحرية قادمة من إيران التي ضبطت في يوليو (تموز) الماضي، كانت كافية لـ«إزالة مدينة المنامة من الوجود». وكي لا يغرق هذا المعطى الأمني في ملف الحرب الإعلامية مع إيران وما تفترضه من مبالغات أحيانًا، حرص الوزير البحريني على إشهاد الولايات المتحدة التي شاركت بحريتها في كشف هذه الحلقة من حلقات المؤامرة الأمنية الإيرانية على أمن الخليج!

بمقارنة بسيطة، وحسبة حوانيت، يتضح أن الإرهاب ليس الشيخ أحمد الأسير ورماناته اليدوية، وهو إن مثّل شيئًا في الإرهاب، فهو يمثل جانبه الهزيل والكوميدي أحيانًا، بينما الإرهاب الحقيقي يبقى في ترسانة علي خامنئي ومشروعه.