كل الدلائل والمعطيات تؤشر الى ان الافرقاء اللبنانيين عموماً، بدأوا يعبّدون الطرقات باتجاه ترسيخ الانقسامات السابقة التي لم يكن لها من نتائج سوى كوارث حلَّت باللبنانيين وعلى جميع المستويات..
من اسف ان ذلك يحصل هذه المرة، على خلفية الانتصار الذي تحقق على المجموعات «الارهابية – التكفيرية» التي كانت تتحصن، قبل معركة «فجر الجرود» بالتوازي مع «وان عدتم عدنا»، في جرود لبنان الشرقية، ابتداءً من عرسال الى رأس بعلبك والفاكهة والقاع.. وقد حقق الجيش اللبناني انتصاراً بالغ الأهمية، كان يفترض ان تطوى صفحة السجالات المفتعلة، عن سابق تصور وتصميم، التي غبّرت على انجاز الجيش غير المسبوق، بأقل الخسائر والأضرار الممكنة، والتي أثبت فيها «أنه الجيش القوي والوحيد الذي استطاع هزيمة «داعش» وطرده من أرضنا..» التي باتت خالية من أي وجود للمسلحين..
لقد كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وهو ابن هذه المؤسسة العسكرية، ان يناشد اللبنانيين «بأن لا يتركوا أجواء التشنجات السياسية والتجاذبات والتراشق بالتهم التي سادت في الأيام الأخيرة تنسيهم انجاز الانتصار الذي تحقق..» ومؤكداً ان «من واجبنا جميعاً كمسؤولين وأحزاب وشرائح اجتماعية مختلفة حماية هذا الانتصار، وتثميره بالتقارب الوطني، والبناء عليه للتطلع الى المستقبل ومواصلة حماية لبنان..» خصوصاً وأن اعلان الانتصار على «داعش» واقتلاعه من الجرود اللبنانية المحاذية لتلك السورية، لا يعني ان الخطر قد زال، وان لبنان بات بألف خير، وبمنأى عن كل «اللعبة الدولية» التي خططت وهيّأت وبنت ودعمت ومولت هذا الإرهاب..
منذ اللحظة الأولى، ومن قبل إنطلاق «فجر الجرود» حددت قيادة الجيش اللبناني، وبقرار رسمي من الحكومة اللبنانية، هدفين للمعركة لا ثالث لهما: الأول طرد الارهابيين من الأراضي التي كانوا موجودين فيها في جرود رأس بعلبك والقاع والفاكهة، والثاني هو معرفة مصير العسكريين المختطفين لدى داعش منذ مطلع آب 2014، «وبدأت المعركة بمرحلة تحضيرية شملت تضييق الخناق على المسلحين، وكانت ساعة الصفر يوم السبت 19 آب الماضي ثم بمرحلة ثانية وثالثة.. و»بقيت لدينا المرحلة الرابعة والأخيرة التي كنا قد خططنا لها، ان تبدأ يوم الأحد»، على ما أفصح عن ذلك قائد الجيش العماد جوزف عون، كاشفاً ان المدير العام للأمن العام اللواد عباس ابراهيم اتصل به وأطلعه على «ان الارهابيين وافقوا على وقف اطلاق النار بشرط معرفة مصير العسكريين.. فكنا أمام خيارين: إما مواصلة المعركة وعدم معرفة مصيرهم، او القبول بالأمر ومعرفة هذا المصير، بالاضافة الى الأخذ بعين الاعتبار ان أرواح العسكريين على الجبهة هم أمانة في أعناقنا..» ليخلص قائلاً: «فإذا كان بإمكاننا ربح المعركة من دون ان نخوضها يكون ذلك بمثابة الانجاز الأساسي..».
«العمليات العسكرية»، وفق المفهوم العسكري، «انتهت» ووحدات الجيش المنتشرة في المنطقة قامت بعمليات تفتيش وتأكدت من خلوها من أي وجود للمسلحين..» فقد «حقق الجيش الانتصار وبزع فجر الجرود» على ما قال قائد الجيش..
من اسف ان تداعيات، و»ملابسات» الانتصار الذي أنجز، لم تسلم من اشتباكات وسجالات سياسية وكلامية واعلامية، فاقت كل التوقعات وتجاوزت العديد من الخطوط الحمر.. وأخذ الافرقاء السياسيون، على ضفتي الانقسامات الحاصلة، يتراشقون بالتهم والتهم المضادة، التي كادت تنسي اللبنانيين انجاز الانتصار الذي تحقق.. وهو الانتصار الذي كان من الواجب حمايته وتثميره بالمزيد من التقارب الوطني والبناء عليه للتطلع الى المستقبل، على نحو ما كان يتطلع اليه رئيس الجمهورية متكافلاً متضامناً مع رئيسي مجلس النواب والحكومة..
«لبنان في عين العاصفة»، وما كان مستبعداً لوقت سابق، بات قيد التداول اليومي وعلى أعلى مستويات القرارات الدولية.. خصوصاً وأن التصويب على «حزب الله» وان لم يكن جديداً فقد عبر الحدود وهو الشريك في آخر هذه الانتصارات التي اعتبرها «التحرير الثاني» بعد «التحرير الأول».. حيث أعرب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن رفضه الاتفاق الذي تمَّ التوصل اليه بين «حزب الله» و»داعش» في شأن نقل مسلحي هذا التنظيم الارهابي من لبنان الى الحدود السورية – العراقية.. مؤكداً «عدم قبول» بغداد ذلك.. هذا في وقت تواصل أميركا اتهامها الحزب بالاستعداد لحرب جديدة ضد إسرائيل..
في قناعة متابعين، ان ما حصل في جرود عرسال ورأس بعلبك والفاكهة والقاع، واقتلاع الارهابيين من الأراضي اللبنانية، هو جزء من مسلسل تحولات قد تشهدها المنطقة في المدى المنظور.. وان ارتفاع سقف السجالات الاعلامية لم يكن عبثا، بل هو جزء من منظومة ما يتم التحضير له.. وكان الأجدى التطلع الى النصف الملآن من الكوب لا الى النصف الفارغ..
ليس من شك في ان المنطقة تشهد خلطة جديدة، وفي رأي البعض ان الادارة الاميركية تواجه مأزقاً كبيراً فويل لها ان راحت في صفقة مع الجانب الروسي والاوروبي وويل لها ان مضت في خيار التنسيق حتى العظم مع الكيان الاسرائيلي، الذي يعطي الحرب على «حزب الله» أولوية الأولويات.. وهي مسألة طالما حذر منها الرئيس سعد الحريري الساعي الى تجنيب لبنان تداعيات ما جرى وما يمكن ان يجري.. وهو الذي لم يترك باباً إلا وطرقه لابعاد الأذية عن لبنان، ومجدداً تأكيده «بأن ما نسعى اليه هو تحييد بلدنا عن حرائق المنطقة..» متمنيا على الجميع الالتزام بالتوافق على ان مصلحة لبنا هي فوق كل الاعتبارات بأن يكون استقرار وحكومة فاعلة وجيش قوي وقادر والكف عن محاولات الالتفاف على التفاهم الوطني على وضع الخلافات حول السياسات الاقليمية جانباً..».